المسيح بن عمرو بن قيس بن حيّان بن بقيلة «١» الغسّاني. وبقيلة هو الذي بنى القصر الأبيض، ودعي بقيلة لأنّه خرج يوما وعليه [ثياب] خضر فقال قومه: ما هذا إلّا بقيلة. وعبد المسيح هو الذي أتى سطيحا يسأله عن رؤيا الموبذان وارتجاج الإيوان وما كان من ملك بني «٢» ساسان، فأتى عبد المسيح خالدا- وله يومئذ ثلاثمائة سنة وخمسون سنة- وأحبّ أن يريه من نفسه ما يعرف به عقله. قال له خالد: من أين أفضى أثرك؟ قال: من صلب أبي.
قال: فمن أين جئت؟ قال: من بطن أمّي. قال: فعلى ما أنت ويحك؟
قال: على الأرض. قال: أتعقل؟ قال: أي والله وأقيد «٣» . قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد. قال: اللهمّ اخزهم «٤» من أهل بلدة فما يزيدوننا إلّا غمّا، أسأله عن شيء فيجيبني عن غيره. قال: لا والله ما أجبتك إلّا عن سؤالك، فسل عمّا بدا لك. قال: أعرب أنتم أم نبط؟
قال: نبط استعربنا وعرب استنبطنا. قال: فحرب أم سلم؟ قال: بل سلم. قال: فما هذه الحصون؟ قال: بنيناها للسّفيه نمنعه حتّى يأتي الحكيم «٥» فينهاه. قال: كم من سنة أتت عليك؟ قال: خمسون وثلاثمائة. قال: فما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترقى إلينا من هذه النجف بمتاع الهند والصين وأمواج البحر تضرب ما تحتك، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تأخذ مكتلها فتضعه على رأسها لا تتزوّد إلّا رغيفا، فلا تزال في قرى عامرة وعمائر متّصلة وأشجار مثمرة ومياه عذبة غدقة حتّى ترد الشّام، وتراها اليوم قد أصبحت فيافا «٦» ، كذلك دأب الله في البلاد والعباد.
قال: فوجم خالد لما سمعه وعرف من هو، وكان مشهورا في العرب بصحّة العقل وطول العمر. قال: ومعه سمّ ساعة يقلّبه في يديه. فقال له خالد: ما هذا معك؟ قال: سمّ ساعة، فإن يك عندك ما يسرّ به ويوافق أهل بلدتي قبلته وحمدت الله عليه، وإن يكن الأخرى لم أكن أوّل من ساق إلى بلده ذلّا، فآكل السمّ وأستريح. قال له خالد: هاته. وأخذه ووضعه في راحتيه