بالروم. فلمّا كانت سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة زحف ابن نوح صاحب خراسان بعساكر جرّارة إلى طرسوس وأوقع بالروم وهزمهم، وجاوز الدرب إلى أرض الشام إلى القسطنطينية، فلقي المشركين بجيوشهم وعليهم ابن الشمشكي بطريق نقفور، فمنح الله المسلمين النصر عليهم فلم ينج ابن الشمشكي إلّا وحده. ثمّ جيّش نقفور جيشا احتفل فيه لنصر ابن الشمشكي، وتوخّوا أن يلتقوا بالمسلمين يوم غمام لما رجوه من الظفر عليهم، فكان خلاف ما أملوه فصاروا من الضرب والطعن والمجالدة بالسيوف إلى المعانقة والمقابضة بالأيدي والتقابض بالشعور. فما حجز بينهم إلّا الليل وثبت المسلمون في مصافّهم وباتوا على ظهر دوابّهم وناجزوهم بجدّ وحدّ وعزم وحزم، فإذا الأرض قد غصّت بجيفتهم ولا أثر لمن بقي منهم ولا عين. قد تفرّقوا في جنح الليل، وافتتح ابن نوح قلاعا كثيرة ممّا كان تغلّب عليها الطاغية منها مرعش وبلولة وغيرهما.
٥١٤ وفي سنة ثمان وخمسين تغلّب العدوّ على أنطاكية وخيّر أهلها بين المقام على أداء الجزية أو الخروج إلى أرض الشّام، فرضي بالجزية خلق كثير. ولمّا جاء البشير إلى نقفور بذلك عاقبه وغمّه ذلك لأنّه كان يرى في علم الحدثان [أنّ] الّذي تفتح أنطاكية على يديه يهلك سريعا. فقتله الله سنة تسع وخمسين، فقتل في قصره وعلى سرير ملكه، عملت في قتله امرأته الّتي كانت قبله لرومانوس على يدي قائده ابن الشمشكي، فقتلوه ليلا. وكان سبب ذلك أنّ ابنها من رومانوس واسمه بسيل لمّا أدرك أراد نقفور أن يخصّيه ويلزمه الكنيسة العظمى لينفرد هو بالملك ويخرج عقب رومانوس منه، فلمّا علمت عزمه على ذلك سعت في قتله، فتمّ لها ذلك وولّي الأمر ابن الشمشكي ودانت له النصرانية. ثمّ ملك بعده بسيل بن رومانوس، وهو الملك الملقّب بالرحيم، فكان ملكه أربعا وأربعين سنة، وكان أكره الناس لإراقة الدّماء، وزعموا أنّه كان ممّن لا يرون إراقة دماء الحيوان ولا أكله.