وبين بلادهم وبين بلاد النوبة جبال منيعة جدّا. وقد كانت النوبة أشدّ منهم إلى أن ساكن البجاة جماعة من المسلمين لمعادن الذهب الّتي عندهم، واستوطنها خلق من العرب من ربيعة وتزوّجوا في البجاة، فاشتدّت شوكتهم بهم. وصاحب المعادن في وقتنا هذا من المسلمين أبو مروان بشر بن إسحاق من ربيعة يركب في ثلاثة آلاف فارس من ربيعة وأحلافها. وببلاد البجاة تتّصل معدن الزمرّد، وهو موضع يعرف بالخربة، مفاوز وجبال تحميه البجاة، وهو متّصل بالصّعيد الأعلى من أعلى مدينة قفط، وإنّ البجاة تؤدّي الخفارات من يرد لحفر الزمرّد، وبين موضع معدنه والنّيل أكثر من عشرين مرحلة.
٥٣٠ وبين هذا الموضع والعمران مسيرة سبعة أيّام، وهي مدينة قفط، والخراب عليها أكثر «١» من العمارة، والجبل الّذي فيه هذه المعادن الّتي يوجد فيها الزمرّد متّصل بجبل المقطّم الّذي على مصر. ولا يعرف معدن الزمرّد سواه إلّا ببلاد البلّهرى من أرض الهند ولا يلحق بهذا، والهندي «٢» يعرف بالمكّي لأنّه يحمل إلى عدن ويؤتى به مكّة، فاشتهر بهذا الاسم.
والزمرّد الّذي يقلع من الخربة يتنوّع أربعة أنواع، فأعلاها الّذي يعرف بالمرّ، وهو كثير المائية تشبه خضرته بأخضر ما يكون من السلق لا يميل إلى شيء من السواد. واللّون الثّاني البحري، وهو في نوع ورق الآس، وإنّما غلب عليه هذا الاسم لأنّ ملوك البحر من الهند والسند والصين ترغب فيه. والنّوع الثّالث يعرف بالمغربي لأنّ ملوك الغرب من الإفرنجة والأندلس والجلالقة والبشكنش والصقالبة والرّوس يتنافسون فيه. والنّوع الرّابع يسمّى بالأصمّ، وهو أدناها وأقلّها ثمنا لقلّة مائه وخضرته ولكدرته. وأكثر حجارة الزمرّد الخالص (إذا رأته الحيّات)«٣» سالت أحداقها، وإنّ الملسوع إذا سقي منه