قال يزيد بن أبي حبيب «١» : وكان المسلمون ينزلونها في رباطهم، فإذا قفلوا «٢» ابتدر الواردون منازلها. فمن ركز رمحه في دار كانت له، فتنزل «٣» الدار القبيلتان والثلاث. فكان يزيد بن أبي حبيب يقول: لا يحلّ من كرائها شيء ولا يبيعها ولا يورّث منها شيء، إنّما كانت للمسلمين يسكنونها في رباطهم.
١٠٧٣ فقال عوف بن ملك «٤» لأهل الإسكندرية: ما أحسن مدينتكم يا أهل الإسكندرية. فقالوا إنّ الإسكندر قال حين بناها: إنّي أبني مدينة إلى الله فقيرة وعن الناس غنية، فبقيت بهجتها. وإنّ الفرما- وهو أخو الإسكندر- بنى الفرما وقال «٥» : إنّي أبني مدينة (عن الله غنية)«٦» وإلى الناس فقيرة، فذهبت بهجتها ولا يزال ينهدم منها كلّ يوم شيء ولا ينجبر، وبقيت الإسكندرية بجدّتها. وروى بعض المصريّين أنّ عمر بن عبد العزيز رضه لمّا دخل الإسكندرية- وهو إذ ذاك أمير مصر- قال لعاملها لمّا رأى آثارها وعجائبها: أخبرني كم كان عدد أهل الإسكندرية في «٧» أيّام الروم. فقال:
والله يا أمير «٨» ما أدرك علم هذا أحد، ولكن أخبرك كم كان بها «٩» من الملوك، فإنّ ملك الروم أمر بإحصائهم فوجدهم ستّمائة ألف. قال: فما هذا الخراب الذي أرى بأطرافها؟ قال: بلغني عن بعض ملوك فارس حين ملكوا مصر أنّه أمر بفرض دينار على كلّ محتلم بمصر «١٠» لعمران الإسكندرية.
فأتاه كبراء أهلها فقالوا: أيّها الملك لا تتعب «١١» في هذا، فإنّ ذا القرنين أقام على بنائها مرّة وانتهت عمارتها وتمّت بعد ثلاثمائة سنة وأنّه أقام أهلها سبعين سنة لا يمشون إلّا بخرق سود في أيديهم خوفا على أبصارهم من شدّة بياضها.