عليه ثلاثمائة رأس وستّين رأسا. ثمّ سألهم عقبة: هل وراءكم أحد؟ قالوا:
جرمة، وهي مدينة فزّان العظمى. فسار إليها ثماني ليال من ودّان، فلمّا دنا منها أرسل «١» فدعاهم إلى الإسلام فأجابوا، فنزل منهم على ستّة أميال وخرج ملكهم يريد عقبة، وأرسل عقبة خيلا حالت بينه وبين موكبه، فأمشوه راجلا حتّى أتى عقبة وقد لغب «٢» وأعيى وكان ناعما، فجعل يبصق الدم فقال: لم فعلت هذا وقد أتيتك طائعا؟ قال عقبة: أدبا لك، إذا ذكرته لم تحارب العرب. وفرض عليه ثلاثمائة عبد وستّين عبدا. ثمّ مضى عقبة من فوره إلى قصور فزّان فافتتحها قصرا قصرا حتّى انتهى إلى أقصاها، ثمّ سألهم: هل وراءكم من أحد؟ قالوا: نعم أهل خاوار «٣» ، وهو قصر عظيم على رأس المفازة على رأس جبل وعر، وهو قصبة كوّار «٤» . فسار إليهم خمس عشرة ليلة فحاصرهم شهرا فلم يستطع لهم بشيء، فمضى أمامه على قصور كوّار فافتتحها حتّى انتهى إلى أقصاها وفيه ملكها، فأخذه وقطع إصبعه، فقال: لم فعلت هذا بيّ؟ قال: أدبا لك، إذا أنت نظرت إلى إصبعك ذكرت فلم تحارب العرب. وفرض عليهم ثلاثمائة وستّين رأسا.
١١٠٤ ثمّ سألهم: هل من ورائكم أحد؟ (فلم يعلموا من ورائهم أحدا)«٥» . فكرّ راجعا إلى قصر خاوار فلم يعرض له ولم ينزل به وسار ثلاثة أيّام فأمنوا وانبسطوا. وأقام عقبة بمكان اسمه اليوم ماء الفرس فنفد ماؤهم وأصابهم عطش كاد يهلكهم، فصلّى عقبة بأصحابه ركعتين ودعا الله عزّ وجلّ، فجعل فرس عقبة يبحث «٦» بيديه في الأرض حتّى انكشف عن صفاة، فانفجر منها الماء، فنادى عقبة في الناس أن احتفروا «٧» ، فاحتفروا ماء معينا طيّبا فسمّي لذلك ماء الفرس.