العودة إليه. وتكرّر مصالة في البلد نحو ستّة أشهر، ثمّ استخلف عليه رجلا من أصحابه (يقال له دلول)«١» وانصرف إلى تيهرت، فافترق عن دلول من كان معه من المشارقة وبقي في قليل من أصحابه. فلمّا صحّت الأنباء بذلك عند بني سعيد أزمعوا الانصراف إلى بلدهم ثقة بمحبّة رعيتهم لهم وميلهم إليهم، فاتّفقوا على ركوب البحر (في مراكب مختلفة، فمن وصل منهم قبل صاحبيه «٢» فالولاية له، وهم إدريس والمعتصم وصالح. فركبوا البحر من مالقة «٣» في ليلة واحدة (ووقت واحد وريح واحدة)«٤» ، فوصل أصغرهم سنّا صالح بن سعيد إلى مرسى نكور من ليلته وأصبح له بالمرسى المعروف بوادي البقر بتمسامان. فتسامع البربر بقدومه فتسارعوا إليه من كلّ جانب وأتوه من كلّ جهة وعقدوا له الأمرة ولقبوه باليتيم لصغره وزحفوا إلى دلول فأخذوه وجميع أصحابه فصلبوهم أجمعين على ضفّتي نهر نكور.
١٢٩٤ وكتب صالح بالفتح إلى عبد الرحمن بن محمّد، فقرئ كتابه بجامع قرطبة ونسخه في سائر «٥» بلاد الأندلس، وأمر بإمداد آل «٦» صالح بما يجلّ من الأخبية الشريفة والآلة العجيبة والكساء الرفيعة والسروج والحلى والبنود والطبول والدروع وجميع السلاح حتّى عوّضهم «٧» الله عزّ وجلّ أكثر ممّا زال عنهم. فتوطّد الملك لصالح بن سعيد واعتاق البحر أخويه شهرين يتردّدان «٨» فيه، ثمّ وصلا بعده إلى نكور سالمين، فسلّما له الأمر. ومات صالح بن سعيد بعد أن ملك عشرين سنة. ولم يزل آل صالح على السنّة والجماعة والتمسّك بمذهب مالك بن أنس رضه. وكان (صالح وابنه سعيد)«٩» يصلّيان بالناس ويخطبان ويحفظان القرآن.