غليظة وصيّره كالغلام يخدمه، وإن أمره ونهاه أسرع في ذلك. فسلما حتّى دخلا مصر ليلا. فبينما هما متحيّران يمشيان في بعض طرقها لا هداية «١» لهما بالبلد إذ مرّا بدار مشيّدة يدلّ ظاهرها على باطنها ونعمة أهلها، فجلسا في دكّان على باب الدار. فرآهما صاحب الدار فعرف فيهما الحجازية وتوسّم في خلقتهما الغربية فقال: أحسبكما غريبين «٢» . قالا نعم. قال: وأراكما مدنيّين. قالا: نعم نحن كما ظننت. فإذا الرجل من موالي بني العبّاس، فقام إليه راشد وقد توسّم فيه الخير فقال له: يا هذا قد أردت أن ألقي إليك شيئا ولست أفعل حتّى تعطيني موثقا أن تفعل إحدى خلّتين «٣» : إمّا أويتنا وتتقرّب «٤» إلى الله بالإحسان إلينا وحفظت فينا نبيّك محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وإن كرهت ما ألقيته إليك سترته علينا. فأعطاه على ذلك موثقا. فقال له: هذا إدريس بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب خرج من موضعه (مع الحسين بن علي)«٥» فسلم من القتل، وقد جئت به أريد بلاد البربر فإنّه بلد ناء لعلّه يأمن فيه ويعجز من يطلبه. فأدخلهما منزله وسترهما حتّى تهيّأ خروج رفقة إلى إفريقية، فاكترى لهما جملا وزوّدهما وكساهما.
١٣٣٩ فلمّا عزم القوم على الشخوص «٦» قال لهما: إنّ لأمير مصر مسالح «٧» لا يجوز أحد إلّا فتّشوه، وهاهنا طريق أعرفها لا يسلكها الناس، فأنا أحمل هذا الفتى معي- يعني إدريس- في هذه الطريق الغامضة (البعيدة فألقاك به- يقول لراشد- في موضع كذا وهنالك تنقطع مسالح مصر. فركب راشد في أحد شقيّ المحمل ووضع متاعه في الشقّ الآخر ومضى مع الناس في القافلة،