عنده مدّة وهو يطلب غرّته ويرصد «١» الفرصة في أمره ويرمق باب الحيلة «٢» عليه حتّى غاب راشد مولاه غيبة في بعض أموره، فدخل عليه ومعه القارورة، فلمّا انبسط إليه وخلا وجهه قال: جعلني الله فداك في هذه القارورة غالية حملتها معي، وليس ببلدك من الطيب ما يتّخذ هذا منه، فجئتك بها لتطيب «٣» بما فيها. ووضعها بين يديه، ففتحها إدريس وتغلّف منها وشمّها. وانصرف سليمان إلى صاحبه، وقد أعدّا فرسين قبل ذلك مضمّرين، فركباهما وخرجا مركضين يطلبان النجاة. فلمّا وصل السمّ إلى دماغ إدريس وكان «٤» في خياشيمه سقط مغشيا عليه لا يعقل ولا يدري من يختصّ به ما شأنه، فبعثوا إلى راشد فجاء مسرعا فتشاغل بمعالجته والتخبّر في أمره. وقطع سليمان وصاحبه على فرسيهما بلادا في مدّة ذلك «٥» .
١٣٤١ وأقام إدريس في غشيته عامة نهاره وعروقه تضرب ثمّ مات. وتبيّن راشد أمر سليمان بن حريز فركب في طلبه في جماعة من أصحابه، فجعلت الخيل تنقطع تحت أصحابه ويتخلّفون لشدّة السير. وحثّ الطلب (حتّى لحقه راشد)«٦» ، فانحرف إليه سليمان ليمنعه من نفسه فخبطه راشد بالسيف فكنع يده وضربه بالسيف على وجهه ورأسه ثلاث ضربات، كلّ ذلك لا يصيب مقتلا مع دفع سليمان عن نفسه وما كان عليه من الجنّة. وقام فرس راشد لشدّة حمله عليه، ونجا سليمان بحشاشة نفسه وصاحبه قد خذله، فلم يغن عنه شيئا ولم يكن عنده إلّا الهرب. ثمّ نزل سليمان بعد أن أمن الاتباع وعصب جراحه. قال أبو الحسن النوفلي: فحدّثني من رآه بعد قدومه العراق مكنّعا.