١٤٤٣ وممّا يحفظ من جهل عبد الله بن ياسين أنّ رجلا اختصم إليه مع تاجر غريب عندهم، فقال التاجر في بعض مراجعته لخصمه: حاشى لله أن يكون ذلك.
فأمر عبد الله بضربه وقال: لقد قال كلاما فظيعا وقولا شنيعا يوجب عليه أشدّ الأدب. وكان بالحضرة رجل قيرواني فقال لعبد الله: وما تنكر من مقالته؟
والله عزّ وجلّ (قد ذكر ذلك في كتابه فقال)«١» حكاية عن النسوة اللّائي قطعن أيديهنّ في قصّة يوسف: حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلّا ملك كريم «٢» . فرفع الضرب «٣» عن ذلك الرجل.
١٤٤٤ وأمير المرابطين إلى اليوم- وذلك سنة ستّين وأربعمائة- أبو بكر بن عمر، وأمرهم منتشر غير ملتئم ومقامهم بالصحراء، وجميع قبائل الصحراء «٤» يلتزمون النقاب وهو فوق اللثام حتّى لا يبدو منه إلّا محاجر عينيه، ولا يفارقون ذلك في حال من الأحوال ولا يميّز رجل منهم وليه ولا حميمه إلّا إذا تنقّب، وكذلك في المعارك إذا قتل منهم القتيل وزال قناعه لم يعلم (من هو)«٥» حتّى يعاد عليه القناع، وصار ذلك لهم ألزم من جلودهم وهم يسمّون من خالف زيّهم هذا من جميع الناس «٦» أفواه الذبان بلغتهم. وطعامهم صفيف «٧» اللحم الجافّ مطحونا يصبّ عليه الشحم المذاب أو السمن، وشرابهم اللبن قد غنوا به عن الماء، يبقى الرجل منهم الأشهر لا يشرب ماء، وقوّتهم مع ذلك مكينة وأبدانهم صحيحة.