للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإنْ كَانَ في الدَّارِ حُجرَتانِ، يَستقِلُّ بكلِ وَاحِدِ منهُما بمَرافق وبَابٍ يخصها مَسكن كُلُّ وَاحِدٍ في حُجرَةٍ لم يَحنَثْ، وَإنْ تَشَاغَلا بقِسمَةِ الدَّارِ وَبنَيَا بينَهمَا حَائطاً وفتحَ كُلُّ وَاحدٍ مِنهُمَا بَابَاً، وَهُما مُتسَاكِنَانِ في مُدَةِ التَّشَاغُلِ بذلِكَ، فهل يَحنَثُ بِذَلِكَ أَم لا؟ عَلَى وَجهَينِ، فَإنْ حَلَفَ لَيرحَلَنَّ عَنْ هَذهِ الدَّارِ، وَلم يَنوِ وَقتَاً فَرحَلَ، فَهلْ يَجوزُ أنْ يَعودَ إليهَا بَعدَ وَقتٍ؟ نَقَلَ مُهَنَّا لا يَعودُ، وَنقلَ إسمَاعِيلُ بنُ سَعيدٍ فِيمَن حَلَفَ لَيخرُجَنَّ مِن بَغدادَ بالطَّلاقِ فَخَرجَ ثمَّ رَجعَ فقَالَ: مَضَتْ يَمِينُهُ ولا شَيءَ عَلَيهِ (١)؛ لأنهُ حَلَفَ عَلَى الخُروجِ وَقَد خَرجَ.

فَعلَى هَذا التَّعليلِ، لَهُ أنْ يَعودَ إلى الدَّارِ، لأَنهُ حَلَفَ عَلَى الرَّحِيلِ وَقَد رَحَلَ فلا حَنَثَ عَلَيهِ إذا عَادَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ دَارَ فُلانٍ هَذهِ، فَدخَلَهَا وقَد خُرِبَتْ، وَصَارتْ فَضَاءً أو غُيِّرَتْ فَصُيرَتْ حَمَّامَاً أو مَسجِدَاً، حَنثَ إلاّ أن يكونَ لَهُ نية، وكَذلِكَ إنْ بَاعَهَا فُلانٌ ثم دَخلَها حَنَثَ، فَإنْ لَم يَدخُلْها لَكِنَّهُ دخَلَ سَطحَها حَنَثَ.

فَإنْ دَخَلَ طَاقَ البَابِ فَهل يَحنَثُ؟ يَحتَمِلُ وجهَينِ (٢)، فَإنْ كانَ دَاخِلَ الدَّارِ فَحلَفَ لا يَدخُلُها فَإنْ لَم يَخرَجْ في الحَالِ حَنَثَ. أَومَأ إليهِ أحمدُ - رَحِمَهُ اللهُ - (٣)، وَعندِي أَنهُ لا يَحنَثْ، إلا أنْ يَكونَ بَينَهُ مُفَارَقَةِ أَهلِ الدَّارِ أَو يَكونَ سَبَبُ يَمينِهِ يَقتَضِي ذَلِكَ، فَإنْ حَلَفَ لا دَخَلتُ بَابَ هَذهِ الدَّارِ، فَإنْ حُوِلَ بَابُها ودَخلَهَا حَنَثَ.

فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ بَيتَاً فَدخَلَ المسجِدَ، أوِ الحمَّامَ، أو بَيتَاً مِن شَعرٍ، أو أَدَمٍ، حَنَثَ. فَإنْ دخَلَ دِهليزَاً أو صفةً أو طرر، لم يَحنَثْ / ٣١١ و/.

وإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ فأُدِخلَ فلانٌ عَلَيهِ فأقامَ مَعهُ حَنَثَ، ويحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثْ إلا أنْ يَنوِيَ أنْ لا يجتَمِعَ مَعَهُ في بَيتٍ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ الدَّارَ فَحُمِلَ بغَيرِ أَمرِهِ فأُدِخِلَهَا، وَكانَ يُمكِنُهُ الامتِنَاعَ فلَم يَمتَنِعْ احتَملَ وَجهَينِ، أحدُهُما يَحنَثُ والآخَرُ لا يَحنَثْ (٤).

فَعلَى هَذا الوَجهِ إنْ أَقَامَ بَعدَ دُخولِهِ فَهَل يَحنَثُ؟ يخرَجُ عَلَى مَسألةِ إذا حَلَفَ لا يَدخُل الدَّارَ، وَهوَ فِيهَا، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ دَارَ فلانٍ، فَدخَلَ دَارَاً يَسكُنُهَا فلانٌ بِالأجرَةِ يحنَثُ، إلا أنْ يَنوِيَ مَلكَهُ، فَإنْ حَلَفَ لا يَدخُلُ عَلَى فُلانٍ بَيتَاً، فَدخَلَ بيتَاً هوَ فِيهِ، وَلم


(١) انظر: المغني ١١/ ٢٨٨، والكافي ٤/ ٤٠٧.
(٢) الوجه الأول يحنث لأنه دخل في حدها، والثاني: لا يَحنَثْ، لأنه لا يسمى داخلاً، انظر الكافي
٤/ ٤٠٦، والشرح الكبير ١١/ ٢٤٥.
(٣) انظر: المغني ١١/ ٢٩٥، والشرح الكبير ١١/ ٢٧٠.
(٤) الوجه الأول اختيار أبي محمد؛ لأن لَهُ نوع اختيار أشبه ما لو كان الدخول بأمره، والوجه الثاني: حكي عن القاضي؛ لأن الفعل منسوب إلى غيره، انظر: المغني ١١/ ٢٨٩.

<<  <   >  >>