للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مَاءَ هَذا النَّهرِ فَشَرِبَ مِنهُ جرعةً حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لَيشرَبَنَّ هَذا الماءَ في غَدٍ فَتلفَ قَبلَ الغَدِ حَنَثَ، عَلَى ظَاهِرِ كَلامِ الخِرَقِيِّ (١).

وَيخرجُ أنْ لا يَحنَثْ إذا تَلفَ بِغَيرِ اختيارِهِ، لأنَّهُ كَالمكرَهِ، وكَذلِكَ إذا حَلَفَ لَيضرِبَنَّ عَبدَهُ في غَدٍ فَماتَ العَبدُ قَبلَهُ فَإنْ حَلَفَ لَيشربَنَّ الماءَ الذي في الكُوزِ ولا مَاءَ فيهِ أو لَيأكُلَنَّ الخبزَ الذي في السَّلَّةِ ولا خُبزَ فِيها؛ تَنعَقِدُ بِيمينِهِ وكَذلِكَ إنْ حَلَفَ لَيقتُلَنَّ فلانَاً وَهوَ مَيِّتٌ وقَالَ شَيخُنَا: إنْ عُلِمَ بِموتِهِ حَنَثَ.

وَإنْ حَلَفَ لا يَشرَبُ مَاءَ هَذَا الكُوزِ فَشَرِبَ بَعضَهُ حَنَثَ عَلَى إحدَى الرِوايتَينِ ولم يَحنَثْ عَلَى الأخرَى (٢)، وَهوَ الأَقوى عِندِي وَإنْ حَلَفَ لَيشرَبنَّ ماءَ هَذَا الكُوزِ لم يَبرَّ حتى يَشرَبَ جَميعَهُ روايةٌ واحدةٌ فَإنْ حَلَفَ لا يَشُمُّ البنَفسَجَ فَشَمَّ دهنَهُ حَنَثَ، وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَشُمُّ الوَردَ فَشمَّ مَاءَ الوَردِ فَإنْ حَلَفَ لا يَشُمُّ الرَّيحَانَ فَشَمَّ الوَردَ والبنفسَجَ والياسمَينَ فَإنَّهُ يَحنَثُ، كَمَا لَو شَمَّ الرَّيحانُ الفَارِسيَّ ويَحتمِلُ أنْ لا يَحنَثْ، فَإنْ شَمَّ الفاكِهَةَ لم يَحنَثْ وَجهَاً وَاحِدَاً وَكَذلِكَ إذا حَلَفَ لا يَشُمُّ الطِّيبَ فَشَمَّها.

فَصلٌ رابِعٌ في البَيعِ والهبَةِ وَقَضَاءِ الحقُوقِ

إذا حَلَفَ لا يَبيعُ شَيئَاً فَباعَ بَيعَاً فَاسِدَاً لم يَحنَثْ، ذَكَرهُ الخِرَقِيِّ، وَيحتَمِلُ أنْ لا يَحنَثَ؛ لأَنهُ يقَعُ عَلَيهِ اسْمُ البَيعِ (٣)، فَإنْ بَاعَهُ /٣١٥ و/ بِشَرطِ الخِيارِ حَنَثَ فَإنْ حَلَفَ لا بَاعَ ثَوبَهُ مِنْ فُلانٍ بمئةٍ فَباعَهُ بِأقَّلَ حَنَثَ نَصَّ عَلَيهِ (٤).

فَإنْ بَاعَهُ بِهذا الثَّمنِ فَباعَهُ بزِيادةٍ لم يَحنَثْ، فَإنْ حَلَفَ لا يَهبُ لِفلانٍ أو لا يوصِي لَهُ أو لا يَهدِي لَهُ أو لا يَتَصرَّفُ عَلَيهِ ثم فَعلَ ذَلِكَ ولم يَقبَلِ المَحلُوفُ عَلَيهِ حَنَثَ، فَإنْ حَلَفَ لا يَهَبُ لَهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيهِ فَقَالَ شَيخُنَا: يَحنَثُ وعِندِي لا يَحنَثُ وَهوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحمدَ رَحِمهُ اللهُ في رِوَايةِ حَنبَلٍ (٥) فِيمَنْ تَصدَّقَ عَلَى وَلدِهِ لا يَرجِعُ في شَيءٍ مِنَ الصَّدَقَةِ وَعِندَهُ أنَّ الألف تَرجِعُ في الهِبَةِ. فَإنْ وصَّى لَهُ لم يَحنَثْ فَإنْ وقف عَلَيهِ حَنَثَ، وكَذلِكَ أن باعه بالمحاباة حَنَثَ، ويحتمل أن لا يَحنَثَ فَإنْ أَعارَهُ حَنَثَ، وقَالَ شَيخُنَا: لا يَحنَثُ (٦).


(١) انظر: الشرح الكبير: ١١/ ٢٩٠.
(٢) انظر: المغني: ١١/ ٢٩٢، ٣٠٦، والزركشي: ٤/ ٣٩١ - ٣٩٢.
(٣) انظر: المغني: ٨/ ٢٣٤، والزركشي: ٤/ ٣٥٩.
(٤) انظر: المقنع: ٢٤٧، والهادي: ٢٤٧، والشرح الكبير: ١١/ ٢١٢.
(٥) انظر: المقنع: ٣١٨، الهادي: ٢٤٧، المغني: ١١/ ٢٣٨.
(٦) انظر: الهادي: ٢٤٧، المغني: ١١/ ٢٣٨.

<<  <   >  >>