للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القَصاص وضَمَانِ المَالِ وغَيْرِ ذَلِكَ، فإن تَابَ الزاني والسَّارِقُ وَشَارِبُ الخَمْرِ قَبْلَ أن يقام عَلِيهِ الحدودُ فهل يسقطُ عَنْهُ الحدُّ أم لا؟ على روايتينِ؛ إحداهُما: تسقطُ الحدودُ بمجردِ توبتِهِ ولا يُعتبرُ معَ ذلكَ إصلاحُ العَملِ، والثانيةُ: لا يَسقُطُ ويكونُ من تمامِ تَوبَتِهِ تطهرهُ بالحدِّ، فإنْ ماتَ من اجتمعتْ عليهِ هذهِ الحدودُ قبل الاستيفاءِ سقطَ عنه استيفاءُ ما كانَ حقاً للهِ تعالى وما كانَ حَقَّاً للآدَميِّ مما يوجِبُ المالَ كالقَتلِ والجراحِ فيسقطُ إليه.

باب حد المسكر (١)

كلُّ شرابٍ أسكرَ كثيرُهُ فشُربُ قليلِهِ وكثيرهِِ حرامٌ، سواءٌ كانَ مِنْ عَصِيْرِ العِنَبِ أو مِنَ التَّمرِ والعَسَلِ والحِنْطَةِ والشَّعيرِ والأرزِّ والذِّرةِ والدخنِ والجَزَرِ وسواءٌ شُرِبَ للذَةِ أوِ العَطَشِ والتداوي ويسمى خَمرَاً. ويجب بهِ الحدُّ على المسلِمِ المكلَّف الحرِّ المختَارِ ثمانونَ (٢) في إحدى الروايتينِ وفي الأخرى حَدُّهُ أربعونَ (٣)، والرَّقيقُ على النصفِ منْ ذلكَ (٤)، فأمَّا الذِّمِي فلا يُحَدَّ بشُربِهَا والسكر مِنْهَا في الصحيحِ من المذهَبِ، وعنه (٥) أنه يُحَدُّ ويُستوفى الحَدُّ بالسَّوطِ إلا أن يرى الإمامُ استيفَاءَهُ بالنِّعالِ والأَيدي، وإذا جَلَدَهُ


(١) قال الزركشي في شرحه ٤/ ٩٢ - ٩٣ ((تحريم الخمر إجماع أو كالإجماع، وقد شهد لذلك من الكتاب قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون - إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: ٩٠ , ٩١) قال بعض العلماء: والتحريم في الآية من نحو عشرة اوجه: تسميتها رجسا، وهو المستقذر، وجعلها من عمل الشيطان، والآمر باجتنابها، وجعل الفلاح مرتباً على اجتنابها، فمن لم يتجنبها لا يفلح، وجعلها توقع العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ثم طلب الانتهاء عنها بقوله سبحانه {فهل انتم منتهون} أي جدير وحقيق أن ينتهي عن شيء جمع هذه الأوصاف)).
(٢) وهي اختيار الخرقي وابن عقيل والشيرازي. شرح الزركشي ٤/ ٩٦ وانظر المغني ١٠/ ٣٢٩.
(٣) وهي اختيار أبي بكر. انظر: المغني ١٠/ ٣٢٩، وشرح الزركشي ٤/ ٩٦.
(٤) أي على النصف من حد الحر وهو أربعون إن قلت: أن الحد ثمانون ويستوفي في ذلك العبيد والامة، وعلى الرواية الأخرى عشرون. الشرح الكبير ١٠/ ٣٣٤.
وقال ابن قدامة في المغني ١٠/ ٣٣٩: ((بدون سوط الحر - أي يحد بدون سوط الحر - لانه لما خفف عنه في عدده خفف عنه في صفته كالتعزير مع الحد، ويحتمل أن يكون سوطه كسوط الحر، لانه إنما يتحقق التنصيف إذا كان السوط مثل السوط أما إذا كان نصفا في عدده وأخف منه في سوطه كان أقل من النصف والله تعالى قد أوجب النصف بقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَاب} النساء ٢٥. وانظر: شرح الزركشي ٤/ ١٠٤ - ١٠٥.
(٥) لانه شرب مسكر عالما به مختاراً أشبه شارب النبيذ إذا اعتقد حله. الشرح الكبير ١٠/ ٣٣٤.

<<  <   >  >>