للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُقطعُ النباشُ بسرقةِ كفنِ الميتِ من القبرِ، ولا قطعَ عَلَى من انتهبَ، أو اختلسَ، أو خانَ، فأما جاحِدُ العاريةِ فَنصَّ عَلَى أنّهُ يُقطَعُ وقالَ أبو إسحاقَ بْنُ شاقلا: يُقطَعُ، وَهُوَ الصَّحيحُ، ولا يقطعُ السارقَ إلا الإمامُ أو نائبُهُ، ولا يقطعُ بمطالبةِ المسروقِ مِنْهُ اختارَهُ الخِرَقِيُّ، وَقَالَ أبو بكرٍ: يقطعُ من غيرِ مُطالَبةٍ (١)، ولا يُقطَعُ إلا بشهادةِ رَجُلينِ عَدْلينِ، وإقرار مرَّتينِ (٢)، وإذا رجَعَ بعد الإقرارِ سقَطَ القطعُ، وإذا وَجَبَ القطعُ قُطِعَتْ يَدُهُ اليمنى، فإن [عاد] (٣) قطعت، رجلهُ اليسرى، فإن عادَ لَمْ يُقطعْ، وحُبِسَ وعزِّرَ فِي إحدى الرِّوايتينِ، وفي الأخرى تُقطعُ يَدُهُ اليُسرى وإن عادَ الرابعةَ قُطِعَتْ رِجلُهُ اليُمنَى (٤)


(١) المذهب المختار للقاضي والخرقي وأصحابه أن لاقطع وأن اعترف بالسرقة، أو قامت بينة، حَتَّى يأتي مالك المسروق يدعيه؛ لأن المال مِمَّا يباح بالبذل، فيحتمل أن مالكه أباحه له، أَوْ وقفه عَلَى طائفة السارق منهم، أو أذن لَهُ فِي دخول حرزه، ونحو ذَلِكَ، فا عتبرت المطالبة لتزول الشبهة، وعلى هَذَا يخرج الزنا فإنه لا يباح بالإباحة، ولأن القطع أوسع فِي الإسقاط، ولأن القطع شرع لصيانة مال الآدمي فله بِهِ تعلق فَلَمْ يستوف من غَيْر حضور مطالب بِهِ، والزنا حق الله تعالى محض فَلَمْ يفتقر إلى طلب بِهِ. انظر: المغني ١٠/ ٣٠٠.
وَقَالَ أبو بَكْر فِي الخلاف: لا يشترط المطالبة، وَهُوَ قوي، عملاً بإطلاق الآيَة الكريمة، وعامة الأَحَادِيث، فإنه لَيْسَ فِي شيء مِنْهَا اشتراط للمطالبة ولا ذكرها، ولو اشترطت لبين ذَلِكَ، وذكرها وألا يلزم تأخير البيان عَن وقت الحاجة، والإخلال بما الحكم متوقف عَلِيهِ، وأنه لايجوز.
انظر: شرح الزركشي ٤/ ٨٣.
(٢) انظر: شرح الزركشي ٤/ ٨١ - ٨٢، وكشاف القناع ٦/ ١٤٣.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) فِي إحدى الروايتين عَن أحمد، واختيار الخرقي، وأبي بَكْر فِي خلافه، وابن عقيل، والشيرازي، وأبي مُحَمَّد وغيرهم لعموم قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} (المائدة: من الآية٣٣) إلى قوله: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} (المائدة: من الآية٣٣) وهذا محارب لله ولرسوله، فشملته الآيَة وقد اشار عَلِيّ - رضي الله عنه - إلى ذَلِكَ فروى سَعِيد، حَدَّثَنَا أبو الأحوص، عَن سماك بْن حرب عَن عَبْد الرحمان بْن عابد قَالَ: أُتي عُمَرُ - رضي الله عنه - برجل أقطع اليد والرجل قَدْ سرق فأمر به عُمَر - رضي الله عنه - أن تقطع رجله فَقَالَ عَلِيّ - رضي الله عنه -: إنما قَالَ الله تعالى: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ =
= اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المائدة: من الآية٣٣) إلى آخر الآية وقد قطعت يد هَذَا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله، فتدعه فاستودعه السجن)) ولأن ذَلِكَ بمنزلة إهلاكه، فإنه لايمكنه أن يتوضأ ولا يغتسل، ولا يحترز من نجاسة، ولا يزيلها عَنْهُ ولا يدفع عَن نفسه، ولا يأكل، ولا يبطش، وبذلك علل عَلِيّ بْن أبي طالب - رضي الله عنه -.
والرواية الثانية: تقطع يده اليسرى فِي الثالثة، والرجل اليمنى فِي الرابعة لما رَوَى جابر - رضي الله عنه - قَالَ:
((جِىءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بسارق، فَقَالَ: اقتلوه، فَقَالَوا: يارسول الله إنه سرق فَقَالَ: (اقطعوه فقطع ثُمَّ رمي بِهِ الثالثة فَقَالَ: اقتلوه فقالوا: يارسول الله إنه إنما سرق. فَقَالَ: اقطعوه، فقطع، ثُمَّ جىء بِهِ الثالثة فَقَالَ: اقتلوه، قالوا: يارسول الله إنما سرق فَقَالَ: اقطعوه، فقطع ثُمَّ أتي بِهِ =

<<  <   >  >>