تقدير الكلام في الآية مذبذبين بين الفريقين، وقد كشف. سبحانه. هذا التأويل بقوله:{لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ}، ونظيره لفظ «أحد» في قوله تعالى: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}، وذلك أن لفظة «أحد» تستغرق الجنس الواقع على المثنى والجمع، وليست بمعنى واحد، بدليل قوله تعالى:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ} وكذلك إذا قلت: ما جاءني أحد، فقد اشتمل هذا النفي على استغراق الجنس من المذكر والمؤنث والمثنى والمجموع، فإن اعترض معترض بقول «امرئ القيس»:
( ..... بين الدخول فحومل)
فالجواب: «أن الدخول اسم واقع على عدة أمكنة، فلهذا جاز أن يعقب بالفاء، كما يقال: المال بين الإخوة فزيد. ومثله قوله تعالى:{يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ}، وإنما ذكر السحاب وهو جمع لأنه من قبيل الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء، وهذا النوع من الجمع مثل الشجر والسحاب والنخل والنبات يجوز تذكيره وتأنيثه. كما قال سبحانه في
ــ
(فأما قوله تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ} فإن لفظة ذلك تؤدي عن شيئين، وإن كانت مفردة تنوب مناب لفظتين، ألا ترى أنك تقول: ظننت ذلك، فتقيم ذلك مقام مفعولي ظننت). وفي «إيضاح ابن الحاجب» سمع من العرب ظننت ذلك، وقد اعترض عليه بأن فيه اقتصاراً على أحد مفعولي هذا الباب، وهو ممتنع، وأجيب بأنه إشارة إلى الظن المدلول عليه