ويقولون: ودعت قافلة الحاج، فينطقون بما يتضاد الكلام فيه، لأن التوديع إنما يكون لمن يخرج إلي السفر، والقافلة اسم للرفقة الراجعة إلي الوطن، فكيف يقرن بين اللفظتين مع تنافي المعنيين؟ ووجه الكلام أن يقال: تلقيت قافلة الحاج أو استقبلت قافلة الحاج. ويشاكل هذا التناقض قولهم: رب مال كثير أنفقته،
ــ
(ويقولون: ودعت قافلة الحاج، فينطقون بما يتضاد الكلام فيه؛ لأن التوديع إنما يكون لمن يخرج إلي السفر).
تبع في هذا «ابن قتيبة» وليس بشيء لأن الرفقة سميت قافلة قبل قفولها تفاؤلا، وقال «الصاغاني» في كتاب «الذيل والصلة»: من قال القافلة للراجعة من السفر فقد غلط بل ذلك للمبتدئة في السفر تفاؤلا لها بالرجوع، كما قاله «الأزهري» اهـ.
وهذا في كلامهم كثير كقولهم للدمل: دمل قبل اندماله، وللديغ: سليم قبل سلامته، وللبيداء: مفازة، والقياس فيها أن يقال مهلكة في قول، وقال «الأصمعي»: سميت مفازة لأن من قطعها ونجا منها فاز.
وحكى اللغويون أيضاً أنه يقال: فاز الرجل فوزاً إذا هلك، وهذا من محاسن العربية فهذا كما قال «البحتري»:
(إذا محاسني اللاتي أدل بها ... كانت ذنوبي فقل لي: كيف أعتذر؟ )