والثالث: أن الرؤية عامة، والرؤيا تختص بما يكون في الليل ولو يقظة، فقول (المتنبي)(لبدر بن عمار) وقد سامره في بعض الليالي:
(مضي الليل والفضل الذي لك لا يمضي ... ورؤياك أحلى في العيون من الغمض)
على أحد الأقوال محتاج إلي التأويل، ولهذا قيل: حقه أن يقول: ولقياك بدل رؤياك. فهو على هذا استعارة، شبه الحلم لاستقرابه كأنه لا يتيسر لمثله حقيقة مسامرته، أو هو مجاز مرسل لوقوع الرؤيا غالباً ليلاً، وقال (ابن بري) الرؤيا- وإن كانت في المنام- فالعرب استعملتها في اليقظة كثيراً، فهو مجاز مشهور كقول (الراعي):
(ومستنبح تهوي مساقط رأسه ... على الرحل في طخياء طمس نجومها)
(رفعت له مشبوبة عصفت لها ... صبا تزدهيها مرة وتقيمها)
(فكبر للرؤيا وهش فؤاده ... وبشر نفساً كان قبل يلومها)
وعليه أكثر المفسرين في قوله تعالى:{وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} يعني ما رآه ليلة المعراج يقظة على الصحيح.
وقيل إن (المتنبي) أراد أنه رآه يقظة مع أن رؤياه في النوم ألذ من الغمض والنوم وهو بعيد من السياق. وفي (الروض الأنف) الرؤيا تكون بمعنى الرؤية، كما في قول (الراعى)، والغمض تطبيق الجفن على العين، ويكني به عن النوم، وقوله: اليقظة بفتحات وتسكين القاف. قالوا: إنه ضرورة كقول (التهامي):