لقد وعظت يا أمير المؤمنين فبالغت في الموعظة، وأذكرت ما أنسانيه الدهر، وخرج من فوره إلى راحلته فركبها ثم نصها راجعًا نحو الحجاز.
فمكث "هشام" يومه غافلًا عنه، فلما كان في الليل تعار على فراشه فذكره، وقال في نفسه: رجل من قريش قال حكمة ووفد إلى فجبهته ورددته عن حاجته وهو مع هذا شاعر لا آمن ما يقول؟
فلما أصبح سأل عنه فأخبر بانصرافه، فقال: لا جرم ليعلمن أن الرزق سيأتيه، ثم دعا بمولى له وأعطاه ألفي دينار، وقال له: الحق بهذه "ابن أذينة" فأعطه إياها.
ــ
جابر" ركعتين وقال للثقفي: ما رأيك في الرجوع؟ فقال: أتعبت نفسي وأكللت مطيتي وأرجع بغير شيء؟
فقال "ابن جابر": [إني] قد ندمت على قصده واستحييت من ربي أن يراني طالبًا رزقًا من غيره، ثم قال: اللهم يا رازق "ابن عامر" ارزقني من فضلك، ثم قفل راجعًا إلى المدينة.
وكان "ابن عامر" قد أخبر بمسيرتها، فلما دخل الثقفي على "ابن عامر" قال له: أين صاحبك؟ فأخبره بحاله فبكى وقال: والله ما قالها أشرًا ولا بطرًا، ولكن قالها حقًا، فلا جرم لأضعفن جائزته، فأمر للثقفي بأربعة آلاف درهم وكسوة، وبعث "لابن جابر" بضعفها فخرج الثقفي وهو يقول:
(أمامه ما حرص الحريص بزائد ... فتيلا ولا زهد المقيم بضائر)
(خرجنا جميعًا من مساقط رؤسنا ... على ثقة منا بجود ابن عامر)
(فلما أنخنا الماعجات ببابه ... تخلف عني الخزرجي ابن جابر)
(وقال ستكفيني عطية قادر ... [على ما أراد اليون لليأس قاهر)
(وقال: الذي أعطى العراق ابن عامر] ... لربي الذي أرجو لسد مفاقري)
(فقلت: خلا لي وجهه ولعله ... يوجه لي حظ الفتى المتآخر)