أراد بقوله بكرت تلومك أي عجلت لا أنه أراد به وقت البكرة، لإفصاحه بأنها لامته في الليل، ونظير استعمالهم لفظة بكر بمعنى عجل استعمالهم لفظة راح بمعنى سارع وخف، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة" أي من خف إليها؛ إذ لا يجوز إتيانها آخر النهار.
ــ
(ويقولون أيضًا في كل شيء يخف فيه فاعله ويعجل إليه: قد بكر، ولو أنه فعل ذلك آخر النهار أو أثناء الليل).
بكر بالتخفيف والتشديد [إلى كذا أسرع]، وهذا مما يتعجب منه، فإنه ذكر هنا أنه يستعمل بمعنى عجل وهو عين ما أنكره.
(ويدل عليه قول "ضمرة بن ضمري النهشلي":
(بكرت تلومك بعد وهن في الدجى ... بسل عليك ملامتي وعتابي)
وقد صرح به كثير من أهل اللغة، وقوله: بسل، يدل من [من] تلومك، أو بتقدير قولها: بسل، أي ملامي وعتابي مقصور عليك، وهو بالباء الموحدة المفتوحة والسين المهملة الساكنة واللام.
(ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، أي من خف إليها؛ إذ لا يجوز إتيانها آخر النهار).
وفي "البخاري": "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح [إلى المسجد في الساعة الأولى] فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة".
قال "الكرماني" فيه: إن مراتب الناس في الثواب بحسب أعمالهم، فالمسارع إلى طاعة الله أعظم أجرًا، وفيه أن اسم القربات كالصدقة يطلق على القليل والكثير، وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقر.
وقال "الخطابي": الجمعة لا يمتد وقتها من أول حيث الرواح، وهو ما بعد الزوال إلى خمس ساعات، فقوله: في الساعة الرابعة والخامسة مشكل، وقد يؤول بوجهين: