فإن قيل: هلا أجزتم أن تكون الباء في هذا الموطن قائمة مقام عن أو على، كما جاءت بمعنى عن في قوله سبحانه وتعالى:{سأل سائل بعذاب واقع}[المعارج: ١]، وبمعنى على في قوله تعالى:{وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها}[هود: ٤١]؟
فالجواب عنه أن إقامة بعض حروف مقام بعض إنما جوز في المواطن التي ينتفى فيها اللبس، ولا يستحيل المعنى الذي صيغ له اللفظ، ولو قيل: ههنا رمى بالقوس لدل ظاهر الكلام على أنه نبذها من يده، وهو ضد المراد بلفظه، فلهذا لم يجز التأول للباء فيه.
ــ
المعنى رميت السهم بالقوس فالباء للآلة أو بمعنى عن كما في قوله:
(فإن يسألوني بالنساء فإنني ... بصير بأدواء النساء طبيب)
وفي شرح "اللباب" يجوز رميت بالقوس نظراً إلى أن القوس آلة الرمي المستعان بها فيه، ورميت على القوس بالنظر إلى أن يد الرامي اعتمدت على القوس في الرمي، ورميت عن القوس بالنظر إلى أن الرمي تجاوزها.
وحكي "الفراء" رميت عن القوس وبها، وتوهم أن القوس مرمية على الثاني كما مر ليس بشيء، وتحقيق هذا ما في "الكشاف" في سورة "الأعراف" في تفسير قوله تعالى {ولآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم}[الأعراف: ١٧] الآية، من أن المفعول فيه تعدى إليه الفعل تعديته إلى المفعول به، فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا، أو كانت لغة توجد ولا يقاس عليها وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط، فلما سمعناهم يقولون: جلس عن يمينه وعلى يمينه وعن شماله وعلى شماله قلنا معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلي من المستعلى عليه، ومعنى عن يمينه أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفاً عنه، غير ملاصق له، ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره كما ذكرنا في تعال ونحوه من المفعول به.