وذكر " أبو الفتح عثمان بن جني" قال: أنشدني شيخنا "أبو علي الفارسي" قول الشاعر:
(وتنادوا بالرحيل غدا ... وفي ترحالهم نفسي)
فأجاز في الرحيل ثلاثة أوجه: الجر بالباء، والرفع والنصب على الحكاية، فحكاية الرفع كأنهم قالوا: الرحيل غدا، وحكاية النصب على تقدير قولهم: اجعلوا الرحيل غدا.
ــ
قال "أبو عبيدة": معناه أن سؤالك إياي الطلاق كان بالصيف فيومئذ ضيعت اللبن بالطلاق. وقال بعض الناس: معناه أن الرجل إذا لم يطرق ماشيته كان مضيعاً لألبانها حينئذ. وقال "ابن درستويه": العامة تقول: في الصيف ضيحت اللبن، وهو خطأ، وإنما الضياح من اللبن الخاثر الذي يمزج بالماء حتى يرق، يقال: ضيحت اللبن فهو مضيح ومضيح.
وذكر "أبو سليمان الخطابي" أن هذا المثل يروى: الصيف ضحيت اللبن بالحاء بدل العين من الضياح والضيح وهو اللبن الممذوق بالماء، يريد الصيف أفسدت اللبن وحرمته على نفسك. قال الأستاذ: يروى أيضاً الصيف ضييعت اللبن بفتح التاء كما حكاه "ابن الأنباري" في "الزاهر" عن "الفراء" ولم أره لغيره.
والصيف منصوب على الظرفية لضيعت واللبن مفعوله.
و"عدس" بفتح العين المهملة وضم الدال، وليس في الأعلام عدس مضمومها غيره.
ومما ذكر علمت أن ما أنكره المصنف مروي عن "الفراء".
(ومن أوهامهم في هذا المعنى أنهم ينشدون بيت "ذي الرمة":
(سمعت الناس ينتجعون غيثاً ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا)
وهذا من قصيدته التي مدح بها "بلالا بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري" وكان والياً على البصرة وبعد هذا قوله:
(تناخي عند خير فتى يمان ... إذا النكباء عارضت الشمالا)
(وأبعدهم مسافة غور عقل ... إذا ما الأمر ذو الشبهات عالا)
(وخيرهم مآثر أهل بيت ... وأكرمهم وإن كرموا فعالا)
قيل: إنه- لما أنشده- قال: يا غلام مر له بعلف؛ لانه لم يعجبه مدحه بجعله مرعى للناقة، وهو نقد جيد.
(فينصبون لفظ الناس على المفعول ولا يجوز ذلك لأن النصب يجعل الانتجاع مما يسمع وهو ليس كذلك، وإنما الصواب أن ينشد بالرفع على وجه الحكاية).