عباس" في تأويل قوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} لو أنهم قالوا: نعم لكفروا, وهو صحيح لأن حكم نعم أن ترفع الاستفهام, فلو أنهم قالوا: نعم لكان تقدير قولهم: لست بربنا وهو كفر. وإنما دل على إيمانهم بلى التي يدل معناها على رفع النفي فكأنهم قالوا: أنت ربنا, لأن أنت بمنزلة التاء التي في لست. ويحكى أن "أبا بكر بن الأنباري" حضر مع جماعة من العدول ليشهدوا على إقرار رجل, فقال أحدهم للمشهود عليه: ألا نشهد عليك؟ فقال: نعم, فشهدت الجماعة عليه, وامتنع "أبو بكر بن الأنباري" وقال: إن الرجل منع أن يشهد عليه بقوله نعم, لأن تقدير جوابه بموجب ما بيناه لا تشهدوا علي.
ــ
[قال "ابن عادل": فيه نظر إن صح عنه, وذلك أن هذا النفي صار نقرراً فكيف يكفرون بتصديق التقرير, وإنما المانع من جهة اللغة, وهو أن النفي مطلقاً إذا قصد إيجابه أجيب ببلى وإن كان مقرراً بسبب دخول الاستفهام عليه, وإنما كان كذلك تغليباً لجانب اللفظ, ولا يجوز مراعاة جانب المعنى إلا في ضرورة شعر كقوله:
(أليس الليل يجمع أم عمرو ... وإيانا وذاك بنا تداني)
(نعم وأرى الهلال كما تراه ... ويعلوها النهار كما علاني)
وفيه بحث "لابن مالك" قال في "التسهيل": بلى لإثبات نفي مجرد أو مقرون باستفهام, وقد يوافقها بعض المقرون, ولم يقيده بضرورة الشعر, وكيف يصح أن يكون ضرورة؟ .