(فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف)
ذكر أهل التاريخ أنه لما قدم «سعد بن أبي وقاص» القادسية أميراً أتته «حرقة بنت النعمان بن المنذر» مع جوار لها زيهن كزيها تطلب صلتها، فلما وقفن بين يديه قال: أيتكن «حرقة»؟ قالت هي: أنا «حرقة» فما تكرارك للاستفهام عني؟ إن الدنيا دار زوال وإنها لا تدوم على حال، تنتقل بأهلها انتقالاً، وتعقبهم بعد حال حالاً، إنا قد كنا ملوك هذه الأرض قبلك، يجيء إلينا خراجها ويطيعنا أهلها، فلما أدبر الأمر وانقضي صاح بنا صائع الدهر، فصدع عصانا وشتت ملأنا وكذلك الدهر، يا سعد، إنه ليس من قوم في يسرة إلا والدهر يعقبهم عسرة، ثم أنشأت تقول من شعر لها:
(فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف)
(فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف)
فقال «سعد»: قاتل الله «عدي بن زيد» كأنه ينظر لهذه حيث يقول:
(إن للدهر صولة فاحذرنها ... لا تبين قد أمنت الدهورا)
(كم بينت الفتى معاني فيردي ... ولقد كان آمناً مسرورا)
ولا زالت عندك لكريم حاجة، ولا نزع الله عن عبد صالح نعمة إلا جعلك سبباً في لردها عليه. وخرجت فقيل لها: ما صنع لك الأمر؟ فقالت:
(حاط لي ذمتي وأكرم وجهي ... إنما يكرم الكريم الكريم)
وقد روي: نسوق موضع نسوس وهو من السياسة، ونتنصف: نخدم، والسوقة: من عدا الملك مطلقا لا أهل السوق فقط، وهم سوقية بياء النسبة، وفي الكلم النوابغ السوقية كلاب سلوقية.