والاحتمال الأول أرجح -عندنا- لأن تعرف ما في نفس زيد يكشف عن حقيقة ما في عزيمته، فإن كان له فيها بقية رغبة وميل إليها وأن الذي حدث فورة غضب قد تذهب بالتراضى وإحسان العشرة فعندئذ يكون -لو وافقه النبي - صلى الله عليه وسلم - على طلاقها- كالمكره على طلاقها، ومن ثم كان هذا التعرف ضرورياً ليكون زيداً مختاراً في الطلاق راغباً فيه فلا تتبعها نفسه بعد ذلك، وقد يؤكد هذا إبراز زينب في هذه الجملة (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) بعنوان الزوجية المقتضي للمودة والرحمة والسكون والرغبة.
أما قوله " واتق الله " فإنما جاء لأمر زيد بعدم التجاوز في تناولها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو قوله فيها " إن زينب اشتد عليَّ لسانها: أنا أريد أن أطلقها " فيما رواه قتادة.
ثم قال تعالى (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) وهي جملة حالية من فاعل " تقول " في (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ. . .).
والذي أبداه الله تعالى إنما هو زواجه بها بعد انقضاء عدتها من زيد، وهذا لا يكون موضع عتاب إلا إذا كان قد سبقه إعلام به حتى يصلح التقييد به وقت قوله لزيد " أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ " فالذي أخفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحقيقة هو إعلامه أنها ستكون زوجة له بدليل إظهار هذه الزوجية عملاً واقعاً بعد طلاق زيد لها وانقضاء عدتها منه.
وهذا القدر -أي إخفاء الإعلام بتزويجها منه - صلى الله عليه وسلم - وهي ما زالت تحت زيد- كافٍ في توجيه العتاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخف