ووجه الاستدلال من الحديث على اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في موضعين:
الموضع الأول: مشاورته أصحابه في شأن الأسرى والمشاورة لا تكون إلا فيما لم ينزل فيه وحي.
الموضع الثاني: حكمه - صلى الله عليه وسلم - بعد استطلاع آراء أصحابه بأخذ الفداء.
والذي يدل على أن هذا الحكم باجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم - نزول قوله تعالى:
(لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) متضمناً الإخبار بمنع العذاب عنهم لسبق الكتاب بحل الغنائم -ومنها الفداء- هم ولو كان ما أخذوه من الفداء بوحي من الله تعالى ما نزل ذلك.
على أنه لو نزل وحي -كما في حديث الترمذي وغيره- بإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنَّهم مخيرون بين أخذ الفداء ويقتل منهم مثلهم من قابل أو يقتل الأسرى ويسلم المسلمون - لا يعارض الاجتهاد لأن الاجتهاد حينئذ يكون في اختيار أحد الرأيين المخير بينهما وهو أخذ الفداء أو قتل الأسرى.
٥ - ومن اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - سوقه الهدْي في حجة الوداع ورغبته أن لو لم يكن ساقه ليرفع المشقة عن أصحابه حين علم ما حل بهم من مشقة الاستمرار على الإحرام حتى انتهاء مناسك الحج. روى البخاري وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ".