للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنخل باسقات في سطورها، تواجه القبة الزرقاء، وكانت جنّات، جنّات لا يوجد مثلها اليوم إلاّ في قليل من البلدان، وعلى هذا الأساس، قام هناك نظام تجاري صناعي في غاية الإتقان. ولا أريد أن أذكر تفاصيل هذا الأمر، وإنما أريد أن أذكّر بالسيوف الفولاذيّة التي تصنع في طليطلة، والأدوات الجلدية التي كانت تصنع في قرطبة التي كانت فيها أفضل الطرق في الدنيا، وكيف كان الأسطول التجاري المغربي يطوف البحار في طلب النوادر والتحف الرفاهية لمئات الألوف من الناس، وكان العرب رومانسيين جداً. فإنهم جلبوا العلماء والمهرة في الصناعة والنحّاسين وتجار الجواري الراقصات، وتجار الحرير، وتجار الجواهر من جميع أرجاء الأرض. ولم يكن الخراج مجحفاً، وكان في الغالب يتألف من عُشر الغلاّت وعُشر ما يخرج من المعادن ومكاسب الصناع والتجار. ولكن كان الدخل مدهشاً، وكان دخل خليفة ذلك الوقت وهو عبد الرحمن الثالث - على ما قيل أكثر من (٠٠٠. ٠٠٠. ٣٠) دولار سنوياً. ولا ننسى أن النقود كانت لها قيمة في ذلك الزمان، بحيث يمكن أن يُشترى بها أضعاف ما يُشترى بها الآن. وسنرى وصف هذه الثروة أوضح في الفصل التالي. وكانت الثروة متساوية عند الأعيان والتجار، وقد قرأنا أن وزير عبد الرحمن الثالث أهدى إلى ملكه هدية وهي ضيعة، غاباتها تحتوي على عشرين ألف شجرة، وستين جارية حسناء، ومائة من الجياد الصافنات، والبغال الفارهات، وثمانمائة لأْمَة (١) من أجود العتاد، وما يساوي مليون دولار من الذهب وغيره من النفائس. وقد قدَّر المؤلفون العرب الذين يختلفون عن جهلة أوروبا الرهبانيين جدّ الاختلاف هذه الهدية بـ (٠٠٠، ٠٠٠، ٥) دولار، وسنرى في الفصل الآتي أكثر مما رأينا، فهناك نرى من الترف الذي أوجدته تلك المدنية شيئاً يدهش العقول، وعلى ما كانت عليه ملوك العرب من البذخ والترف، فإنهم لم يهملوا المقاصد الخيرية والمصالح


(١) الّلامة: أداة الحرب كلّها من رمحٍ وبيضة ومغفر وسيف ودرع. (ج): لأَم ولُؤَم.

<<  <  ج: ص:  >  >>