العامة، بل أنفقوا عليها من خزائنهم الواسعة إنفاقاً لم بفعل مثله من ملوك النصارى إلاّ قليل، وسأعقد فصلاً أذكر فيه أعمال ملوك العرب في العلم والأدب والفلسفة. هنا أشير إلى أن الملوك الذين أنشأوا مدنية الأندلس (من سنة ٧٥٦ م إلى سنة ٩٦١ م) كانوا رحماء كرماء ومحبين أوفياء للعلم وأهله، وكانوا أكثر الناس سخاء وجوداً في مناصرة الشريعة والتعليم، وهم أنفسهم في كثير من الأحيان لم يكونوا قاصرين في الأدب. فالخليفة الحكم الثاني الذي كان ملوك النصارى في زمانه لا يقدرون أن يكتبوا أسماءهم إلاّ قليل منهم كانت خزائن كتبه تحتوي على نصف مليون كتاب، ويروى أنه كان ملماً بما تضمنته. وكان الخلفاء ينفقون على كثير من المدارس من مالهم الخاص، وكان سخاؤهم بأموالهم الخاصة للمصالح العامة مثل سخائهم لها من بيت المال، وكانوا يرقبون الطرق المعبدة والجسور المتينة التي عملها الرومان بعناية تامة، فيصلحون ما فسد منها، فكان للبلاد نظام للمواصلات يليق بصناعتها وتجارتها. وعجلات السيارات الثقيلة اليوم، كانت تسير في طليطلة وقرطبة على الجسور العظيمة التي بناها الروم وجدّدها العرب، وجدّدوا القنوات وأنشئوا قنوات جديدة لضمانة الماء الكافي، لا للسقي فقط، بل لتوزيعه في المدن على البيوت. وكان للبريد سرب من الخيل السريعة تبرده في جميع الطرق المهمة في المملكة. ولأجل أن نقدّر هذه الأشياء حق قدرها، ينبغي أن نتذكر دائماً الاختلاف بين هذه البلاد وبقية أقطار أوروبا، فأمهات المدن الأوروبية لم توجد فيها قنوات لصرف المياه القذرة حتى بعد مضي ستمائة سنة من ذلك التاريخ، فكانت المياه المنتنة النجسة تجري في طول شوارع باريس ولندن غير المبلطة، أو تجتمع فيتكون منها حياض، حتى بعدما عملت النهضة في أوروبا عملها قروناً طويلة. أما في مدن العرب، فكانت الشوارع مبلطة منوّرة، قد سوّيت فيها مجاري المياه أحسن تسوية في أواسط القرن العاشر. قال سكوت: بعض القنوات التي كانت تحت الشوارع لصرف المياه القذرة في بلنسية، تقدر أن تسع سيارة. وأصغر قناة منهن تقدر