أن تسع حماراً. وكانت الشوارع مجهزة أحسن تجهيز بالشرطة، وهذا النظام الصحي السامي، كانت تعضده النظافة العامة التي يراها الأمريكيون في هذا العصر شيئاً واجباً. ولكنها كانت في ذلك الزمان في نظر الأوروبيين أعجوبة من أعاجيب الرقي التام، فكان في قرطبة وحدها تسعمائة حمام عام، وكانت الحمامات الخاصة كثيرة في كل مكان، أما في بقية بلاد أوروبا، فلم يكن فيها ولا حمام واحد. وكان أشراف أوروبا رؤساء الإقطاع منهمكين في الرذائل إلى حدّ يحجم الإنسان عن وصفه. ولم يكن لبس الكتّان النظيف معروفاً في أوروبا، حتى أخذت (مودة) لبس طراز الكتان من المسلمين، ولم تكن الزّرابي أيضاً تصنع هناك، وكان الحشيش يغطي أرض قصور الأمراء ومصطبات الخطابة في المدارس، وكان الناس والكلاب ينجسون المحلات إلى حد يعجز عنه الوصف. ولم يكن لأحد منهم منديل في جيبه. وفي ذلك الوقت، لم تكن الحدائق تخطر ببال أحد من أهل الممالك النصرانية، ولكن في إسبانيا العربية كان الناس في جميع الطبقات يبذلون الجهود والأموال في تجميل حدائقهم العطرة البهية. وكانت الفسقيات تترقرق مياهها صعداً في صحون الدور والقصور والأماكن العامة. ولا يزال في صحن الجامع الكبير في قرطبة حوضان جميلان من المرمر يزينان الصحن، حيث كان كل مصَلٍّ يتوضأ قبل أن يدخل المسجد، ووصفها سكوت في هذا الزمان (١/ ٦٧٥) فقال: "هذان الحوضان اللذان كانا من قبل متوضأ للمسلمين الغيورين من جميع الآفاق، والآن يمدان بالماء سكان قرطبة النصارى ذوي المناظر القذرة المنفرة والأخلاق الوحشية والجهل العظيم بمزايا الشعب الطاهر العاقل المهذب الذي تنتمي إليه هذه الذكريات الفاخرة من الفن والصناعة. هذان الحوضان يشهدان شهادة مرضية بأنّ لا دوام للمدنية العليا، وأنّ الإنسان يميل بطبعه إلى التقهقر والعودة إلى أحوال الهمجية. وتشهد به لسلطة القسيسين من المقدرة على فعل الشر، وأن سياستهم التي لن تجد لها تبديلاً، أُسست على قاعدة احتقار مواهب عبيدهم العقلية". وهذه العدد التي أعدّها الخلفاء