عشرة آلاف رجل وثلاثون ألف دابة، وبقوا يعملون فيه سنين، وينبغي لنا أن نفرض أن هذا القصر بهر مؤرخي العرب في ذلك الزمان، فلم يقدروا أن يرووا تفاصيله على الحقيقة، لأن وضعهم كان لا يُعتمد عليه تقريباً. فقد زعموا أن له تسعة عشر ألف سارية جُلبت من اليونان وإيطاليا وإفريقية وغيرها. والإيوان الأوسط كانت سواريه من المرمر والحجر الشفاف، وكانت رؤوسها مرصّعة باللؤلؤ والياقوت، وكان جريدة سقفه من الذهب والفضة، وكانت جدرانه وقبّته من العقيق اليماني، وكان له ثمانية أبواب من الأبنوس والعاج مرصعة بالجواهر، وكان في القصر ثلاثمائة حمام فاخر مستجمع لشروط النِّعمة. وكانت الحدائق واسعة جداً، حتى الحيتان كانت في حياضها، وكانت كلها من (السّمك الذّهبي) كان قوتها اليومي اثنى عشر ألف رغيف من الخبز. وكان عدد الخدام الذكور (١٣٧٥٠) وعدد الإناث (٦٣١٤) وعدد الخصيان والوصفان (٣٣٥٠). وقد أُخبرنا بما كان يُستهلك ثمَّ من الطعام يومياً، بحيث لا تخفى علينا منه أوقيّة واحدة. وكان طعاماً فاخراً هنيئاً مريئاً، وكان هناك غير من ذكرنا العساكر والموسيقيون والشعراء والراقصون ورجال الدولة والأدباء لغرض الشعر والاشتغال بالموسيقى، بل حتى المباحثات العلمية والفلسفية. كان لهما الاعتبار التام هناك، وكان الإعجاب بهما لا يقصر عن الإعجاب بقدّ جارية حسناء أو عينين كحلاوين لخريدة محظية ييضاء في غلالة حريرية سوداء من غواني الحريم. وكان عدد حرس الخليفه الخاص اثني عشر ألفاً من خيرة الجنود، يلبسون أفخر الحرير، ولهم مناطق مذهبة، وأجفان سيوفهم كذلك كانت مذهبة، ومقابضها مرصعة بالجواهر والأحجار الكريمة، وكان هذا القصر عاشر عشرة من القصور الملكية. وحوله كانت مساكن جميلة لخاصة الخليفة ورجال دولته المقربين وأرباب المناصب العالية. وكذلك كانت مدينة الزهراء مدينة تسبي الألباب، وتسحر العقول بجمالها، وإن سألت عن حالها اليوم، فهي في حالة لا تستطيع أن تشبع قليلاً من المعز. وكعل شيء كان هناك ملكياً، والموسيقي