ثمّ إن أسلوب الخطبة، بما فيه من الصنعة والزُّخرف، لا ينتسب إلى عصر طارق الأدبي، وإنما إلى عصر متأخر جداً عن القرن الأول. ولذلك يرى أن هذه الخطبة هي أقرب إلى خصائص أواخر العصر العباسي وربما إلى ما بعد ذلك.
كما أن ورود هذه العبارة في الخطبة:"وقد اختاركم أمير المؤمنين من الأبطال عرباناً"، مما يزيد من حظ الشك ويقوي الارتياب، لأن الجنود لم يكونوا عرباً، بل كانوا برابرة.
واعتماداً على هذه الأدلة الأربعة، يخلص الدكتور أحمد هيكل، إلى حكم؛ يرجّح فيه أن تكون الخطبة وضعت على لسان طارق من بعض الرواة المتأخرين كثيراً عن الفتح، والمتأثرين كثيراً بأسلوب أواخر العصر العباسي، وربما العصر المملوكي.
ويرى بعد ذلك، أن طارقاً قد يكون خطب جنوده، وقد يكون قد تغنى انتصاراته مفاخراً مباهياً، ولكن المعقول أن يكون فعل ذلك بلغته البربرية، التي كان يجيدها، والذي كان جنوده يفهمونها (١).
ويرتاب في نسبة هذه الخطبة إلى طارق، الدكتور عبد الرحمن علي الحجي، ويبني شكّه على: أن تعرض القليل جداً من مؤرخينا الأندلسيين المتأخرين - دون المتقدمين - للخطبة، قد يشير إلى عدم شيوعها وعدم معرفة المؤرخين لها، وهو أمر يمحو أو يقلل الثقة بواقعيتها. كما لم تذكر المصادر الأندلسية، لا سيما المبكرة منها، هذه الخطبة. ولم تكن الخطبة بما فيها في أسلوب ذلك العصر (القرن الأول الهجري)، وغير متوقع لقائد جيش أن يعتني بهذا النوع من الصياغة. والمعاني التي تناولتها الخطبة لا تتلاءم والروح الإسلامي العالية، التي توفرت لدى الفاتحين، ومقدار حبهم للإسلام وإعلاء كلمته، ورغبتهم في الاستشهاد من أجل ذلك .......
(١) انظر كتاب: الأدب الأندلسي (٨٠ - ٨٣) ئقلاً عن مقال مجلة دعوة الحق - العدد الخامس (١٢٦ - ١٢٧).