للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضّارة.

كما أن تصدّي السُّودان المسلمين البطولي العزوم للقوط، يدلّ على أنّ القوط كانوا يقاتلون في المعركة كما يقاتل الرجال.

وكان تعداد جيش المسلمين في هذه المعركة - كما ذكرنا - اثنى عشر ألف مجاهد، استشُهد منهم في المعركة ثلاث آلاف مجاهد، أي أنّ خمسة وعشرين بالمائة من جيش المسلمين استُشهدوا في هذه المعركة، وهي نسبة عالية جداً، إن دلت على شىءٍ فإنما تدل على شدّة مقاومة القوط في المعركة، وأنهم قاموا بواجبهم في القتال. فقد قسم طارق الغنائم بعد هذه المعركة على تسعة آلاف من المسلمين (١)، أي أن هؤلاء هم الذين سلموا، وقُتل الباقون.

أما التركيز على إشاعة أن المسلمين جاءوا من أجل الغنائم إلى الأندلس وليس من أجل الفتح، فهم قدموا ليرحلوا ولم يأتوا ليبقوا، فمن الصعب تصديقها، لأن ورثة غيطشة اشترطوا أن يستعيدوا قراهم وضياعهم بعد الفتح، فلماذا يشترطون مثل هذا الشرط على المسلمين، إذا كان المسلمون سيعودون بالغنائم إلى قواعدهم في الساحل الأفريقي، ويعود العرش وملك الأندلس إلى ورثة غيطشة الشرعيين؟!

ثم إن المسلمين قدموا إفريقية من أمد طويل، بدأ قبل سبعين سنة (أي سنة ٢٢ هـ) ولم يرحلوا عنها، بل توسّعوا في فتوحهم بالتدريج، فلماذا يرحلون عن الأندلس بعد فتحها؟

ومن الواضح أن أخبار المسلمين في شمالي إفريقية، كانت معروفة لدى حكّام الأندلس بخاصة، وأهل الأندلس بعامة، فهم لا يمكن أن يتقبلوا بسهولة الإشاعة التي تزعم: أن المسلمين جاءوا ليرحلوا لا ليبقوا.

ومع ذلك، فيمكن أن يعتذر بمثل هذه الإشاعة الهارب، عن جريمة هربه من المعركة، مع الادِّعاء بأنّ هربه كان نكاية بالملك لذريق وانتصاراً لآل


(١) نفح الطيب (١/ ١٦٣)، وانظر فجر الأندلس (٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>