خلالها الجانبان خسائر فادحة بالأرواح، مما يدل على ثباتهما الرّاسخ العنيد في القتال. وقد ثبت قلب القوط ثباتاً أفضل من ثبات الميمنة والميسرة، ويبدو أن قائدي الميمنة والميسرة اللذين كانا مع لذريق في الظاهر وعليه في الباطن، آثرا الانسحاب في اليوم الرابع من الاصطدام العنيف بين الجانبين، وفي اليوم السابع من حصول التماس المباشر بينهما، فأصبح قلب القوط يقاتل وحده، مما جعل المسلمين يكتسحونه بسهولة، لأن قواتهم ركزت عليه، وكانت من قبل تقاتله وتقاتل الميمنة والميسرة. وقد استطاع آل غيطشة تنفيذ مؤامرتهم على لذريق، بعد أن كبد المسلمون ميمنة القوط وميسرتهم خسائر فادحة، بحيث أوشكت الميمنة والميسرة على الانهيار تحت ضغط قوات المسلمين، إذ لم يكن بالامكان تنفيذ مؤامرتهم قبل أن يكبد المسلمون الميمنة والميسرة خسائر فادحة بالأرواح، لأن لذريق وهو في قوته لا يمكن أن يسكت على المتآمرين، إذ يقابل تآمرهم بالقوة، ويصفي المتآمرين جسدياً قبل أن ينجحوا في تصفيته.
ولا أرى، أن آل غيطشة كان لهم صلة بطارق، ولا علم لطارق بمؤامرتهم، إذ لم يثبت أنهم اتصلوا به قبل المعركة أو في أثنائها، فقد كتموا نواياهم، ولم يظهروها لأحد، وإلاّ سهل على لذريق اكتشافها في الوقت المناسب، وسهل عليه وضع حد نهائي لها قبل فوات الأوان.
وحين وجد لذريق أن المسلمين، قد أجهزوا على القلب الذي يقوده، لم يكن أمامه إلاّ الهرب تحت ضغط مطاردة عنيفة، فغرق في وادي الوحل أو قتل، والنتيجة واحدة هي أنه لم يبق بعد تلك المعركة الحاسمة على قيد الحياة.
وهكذا خسر لذريق، في هذه المعركة جيشه، كما خسر روحه.
وقد طارد المسلمون فلول القوط بعد انسحابهم من ميدان المعركة مطاردة عنيفة. فأبادوا من لم يستسلم من القوط، وبذلك جرت معارك محلية بين المسلمين وبين القوط، هي معارك استثمار الفوز، في جنوبي مدينة شَذُوْنَة