للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرتبط بقياداتهم غير النظامية. أما الذين ارتبطوا بالجيوش الحديثة، فقد أصبحت أساليبهم القتالية أساليب حديثة، أسوة بغيرهم كما هو معروف.

وأسلوب الكر والفر، هو أن يهجم المقاتلون بكل قوتهم على العدو: النّشّابة منهم، والذين يقاتلون بالسيوف ويطعنون بالرماح، مشاةً وفرساناً، فإن ثبت لهم العدو أو أحسّوا بالضعف نكصوا، ثم أعادوا تنظيمهم وكرّوا، وهكذا يكرّون ويفرّون حتى يكتب لهم النصر أو الاندحار (١).

واستطاع المسلمون إحراز النصر على القوط، بالرغم من تمتع القوط بمزايا عسكرية يتفوقون بها على المسلمين، منها أن تعداد القوط كان ثمانية أضعاف تعداد المسلمين، ومنها أن غالبية جيش القوط كانوا من الفرسان، وكان غالبية جيش المسلمين من المشاة، والفرسان يتفوقون على المشاة بسرعة الحركة وبالتأثير الحاسم في القتال، وكان القوط في حالة إدارية: إعاشةً وكساءً وغطاءً، متميزة على المسلمين الذين كانوا في حالة إدارية متواضعة. كما أن قيادة القوط لم تكن واهنة كما يتوهم قسم من المؤرخين، فقد كان لذريق يهتمّ بالمظاهر الخلاّبة، ولكنه كان طموحاً شجاعاً، كما أنه قائد ميداني، دأب على قيادة رجاله بنفسه، ولم يتخل عن قيادتهم لغيره من قادته المرءوسين. فكان يقود رجاله في حرب الخارجين عليه من الأسبان في الشمال، قبل إنزال المسلمين إلى برّ الأندلس، وقاتل المسلمين بنفسه، كما أنه لم يكن من العائلة المالكة في أسبانيا، فحملته قيادته وثقة الشعب به إلى القضاء على الملك غيطشة وتولى الملك خلفاً له بقيادته لا بنسبه وحسبه، فليس لذريق قائداً متخلّفاً، بل كان قائداً لامعاً بحق، فكانت قيادة القوط قيادة قادرة ذات كفاية عالية، كما كانت قيادة المسلمين كذلك متمثلة بطارق بن زياد.

إن انتصار المسلمين على القوط، ليس بسبب تعرض لذريق للخيانة، كما


(١) الرسول القائد (١٠٤) ط٣، وعقبة بن نافع الفهري (٥٠) - ط٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>