للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استُخلف (١).

والصواب، هو أن موسى وطارقاً وصلا إلى دمشق قبل موت الوليد، وكان الوليد مريضاً، فمثُلَ موسى بحضرة الوليد، ولكن الوليد لم يقابله مقابلة حسنة بسبب تماديه في سياسته في أثناء فتح الأندلس، وتباطئه في إطاعة أوامر الخلافة (٢)، وكان مع موسى وطارق كميات هائلة من الغنائم والأسرى والهدايا الثمينة من الذهب والفضة واللؤلؤ، كما حملا أيضاً (المائدة) المشهورة وكثيراً من الكنوز الأندلسية الأخرى. ولكن الظّاهر أن قلب الوليد كان متغيِّراً على موسى تغيّراً لا سبيل إلى إصلاحه، لذلك لم يُحسن الوليد لقاء موسى، ثم لم يلبث الوليد أن لقي ربه وخلفه أخوه سليمان، وهو أشدّ غضباً من أخيه على موسى، ولهذا كان طبيعياً ألاّ ينتظر موسى خيراً كثيراً من سليمان، وأن يُدرك أن أيام مجده وعزِّه قد مضت مع أمس الدابر (٣).

بيد أننا نستبعد صحة ما يبالغ به قسم من المؤرخين من أفاعيل سليمان بموسى، فمن المستبعد ما يقال: إن سليمان كان يقيم موسى في الشمس حتى يكاد يغمى عليه من شدة التعب والجهد والحر (٤)، وأن سليمان حبسه وأمر بتقصي حسابه (٥)، فأغرمه غرماً عظيماً كشفه فيه، حتى اضطر إلى أن سأل العرب معونته، فيقال: إن لَخْماً (٦) حملت عنه من أعطيتها تسعين ألفاً ذهباً، وقيل: حمّله سليمان غرم مائتي ألف، فأدى مائة ألف وعجز، فاستجار بيزيد


(١) فتوح مصر والمغرب (٢٨٤)، وانظر المعجب في أخبار المغرب (١/ ٣٥).
(٢) ابن الأثير (٤/ ٥٦٦) والنويري (٢٢/ ٣٠) وابن الكردبوس (٥٠).
(٣) قادة فتح المغرب العربي (١/ ٢٧٩).
(٤) أنظر التفاصيل في الإمامة والسياسة (٢/ ٨٤ - ٨٥).
(٥) تقصّي حسابه: أي تتبعه وشدّد البحث عنه لتعرف حقيقته، أنظر ما جاء حول ذلك في نفح الطيب (١/ ٢١٢).
(٦) بنو لخم: هو مالك بن عَدي بن الحارث بن مُرَّة بن أُدد بن زيد بن يَشْجُب بن عريب بن زيد بن كُهْلان بن سَبَأ، أنظر جمهرة أنساب العرب (٤١٨ - ٤٢٢)، وكان موسى من بني لخم.

<<  <  ج: ص:  >  >>