للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بن المُهلَّب (١)، فاستوهبه من سليمان، فوهبه إياه، إلاّ أنه عزل ابنه عبد الله عن إفريقية (٢)، وأن سليمان ألزم موسى أن يطوف بالقبائل محروساً يستجديها مالاً يفتدي به نفسه، حتى لقد كان يستجدي الدرهم والدرهمين، فيفرح بذلك موسى، ويدفعه إلى الموكلين به، فيخفّفون عنه العذاب (٣)، لأن


(١) يزيد بن المُهَلَّب بن أبي صُفْرة: أنظر سيرته المفصّلة في كتابنا: قادة فتح بلاد ما وراء النهر- مخطوط.
(٢) نفح الطيب (١/ ٢٦٢).
(٣) أنظر التفاصيل في نفح الطيب (١/ ٢٦٥ - ٢٦٦)، وفي الإمامة والسياسة (٢/ ٨٤ - ٨٥): "لما أفضت الخلافة إلى سليمان بن عبد الملك، بعث إلى موسى، فأُتي به، فعنّفه بلسانه، فكان مما قال له يومئذ: اجترأت، وأمري خالفت، والله لأقللنّ عددك ولأفرقنّ جمعك، ولأبددنّ مالك، ولأضعنّ منك ما كان يرفع غيري ممن كنت تمنيه أماني الغرور، وتخدعه من آل أبي سفيان، وآل مروان! فقال له موسى: والله يا أمير المؤمنين، ما تعتلّ عليّ بذنب، سوى أني وفيت للخلفاء قبلك، وحافظت على مَن ولي النعمة عندي فيه، فأما ما ذكر أمير المؤمنين من أنّه يقلّ عددي، ويفرِّق جمعي، ويبدِّد مالي، ويخفض حالي، فذلك بيد الله وإلى الله، وهو الذي يتولّى النعمة على الإحسان إليّ، وبه أستعين، ويعيذ الله عز وجل أمير المؤمنين ويعصمه أن يجري على يديه شيئاً من المكروه لم أستحقه ولم يبلغه ذنب اجترمته، فأمر سليمان أن يوقف في يوم صائف شديد الحر على طريقه، وكانت بموسى نسمة (ربو)، فلما أصابه حرّ الشمس وأتعبه الوقوف، هاجت عليه، وجعلت قِرب العرق تنصبّ منه، فما زال كذلك حتى سقط، وكان عمر بن عبد العزيز حاضراً، إلى أن نظر سليمان إلى موسى، وقد وقع مغشياً عليه، قال عمر بن عبد العزيز: ما مرّ بي يوم كان أعظم عندي، ولا كنت أكرب من ذلك اليوم، لما رأيت من الشيخ موسى، وما كان عليه من بُعد أثره في سبيل الله، وما فتح الله على يديه وهذا يُفعل به! فالتفتَ إليّ سليمان، فقال: يا أبا حفص! ما أظنّ إلاّ قد خرجت من يميني! فقال عمر: فاغتنمت ذلك منه، فقلت: يا أمير المؤمنين! شيخ كبير بادن، وبه نسمة قد أهلكته، وقد أتيت على ما فيه من السلامة لك من يمينك، وهو موسى البعيد الأثر في سبيل الله، العظيم الغناء عن المسلمين. قال عمر: منعني من الكلام فيه، ما كنت أعلم من يمينه وحقده عليه، فخشيت إن ابتدأته أن يلحّ عليه، وهو لحوح. قال عمر: فلما قال لي ما قال آخراً، حمدت الله على ذلك، وعلمت أنّ الله قد أحسن إليه، وأنّ سليمان قد ندم فيه. فقال سليمان: مَن يضمّه؟ فقال يزيد بن المهلّب: أنا أضمّه يا أمير المؤمنين. قال: =

<<  <  ج: ص:  >  >>