للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طارقاً من أولئك القادة الذين يقدمون على إنجاز ما يُكلَّفون به من مهمات عسكرية بكل عزم وبدون تردد، دون خلق المعاذير أو اختلاقها للتملص من تحمّل المسئولية، والتهرّب من الأخطار المتوقعة. ومن الواضح، أن تقبل طارق مهمة العبور للفتح، بقوّة لا تزيد عن سبعة آلاف رجل فقط، لفتح بلاد واسعة، لها ملك ونظام راسخ وجيش عريق، يمكن أن يعد من طارق حباً للمسئولية، كما أن الإقدام على تنفيذ الأوامر الصادرة إليه من مرجعه بدون تردد وبشجاعة، دليل على تمتع طارق بحب المسئولية. وهي سمة من سمات القادة الكبار، وتمتعه بالشجاعة، وبالضبط المتين، والشجاعة والتحلي بالضبط المتين من سمات القادة الكبار أيضاً.

وبهذه المناسبة، فإن القادة العسكريين، من ناحية تحمل المسئولية، صنفان: صنف يتحمل المسئولية، ولا يتردد في تنفيذ الأوامر الصادرة إليه، حتى إذا كان التنفيذ صعباً جداً، فهو يبدأ بالتنفيذ، ثم يطالب بمعاونته ما وجد إلى ذلك سبيلاً. وصنف يتهرب من المسئولية ويتملص منها، حباً بالعافية والسلامة، فيختلق المعاذير أو يخلقها، فإذا اضطر إلى تنفيذ ما عُهِدَ إليه نفّذه متذمراً. والصنف الأول الذي يتحمل المسئولية من القادة، هم الذين يُفلحون في أداء واجباتهم، ويقودون إلى النصر. أما الصنف الذي يخاف المسئولية من القادة، فهم الذين لا يُفلحون أبداً في أداء واجباتهم، ولا يقودون رجالهم إلاّ إلى الهزيمة.

وظهرت سمة جديدة من سمات قيادة طارق، في تحصين مواضع إنزال قواته في جبل طارق (١)، فمن واجب المقاتل أن يحصّن موقعه فوراً وبدون تأخير بعد احتلاله مباشرة، ليستعين بموقعه المحصن على الثبات أولاً، وليحمي نفسه من رصد العدو وسهامه المصوبة إليه: "فلما حصلوا في الجبل، بنَوْا سوراً على أنفسهم يسمى: سور


(١) ذكر بلاد الأندلس رقم: ٨٥ج ص: ٨٤ - ٨٥ والبيان المغرب (٢/ ٩) وابن خلدون (٤/ ٢٥٤) ونفح الطيب (١/ ٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>