للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعقول أن يكون حقد سليمان على عبد العزيز أشدّ من حقده على أبيه موسى، ما أوعز سليمان بقتل موسى ولا فكّر بذلك، ولا قتله حين أصبح في دمشق رجلاً بلا غد.

ومصداق ذلك، أن سليمان لما بلغه: "مقتل عبد العزيز بن موسى، شقّ ذلك عليه، فولّى إفريقيّة عُبَيْد الله بن يزيد القريشي، لا أدري لمن من قريش (يريد محمد بن يزيد مولى قريش والي إفريقية)، وإلى إفريقيّة كان أمر الأندلس وطَنْجَة وكلّ ما وراء إفريقية، وأمره سليمان فيما فعله حبيب بن أبي عُبَيْدة وزياد بن النّابغة من قتل عبد العزيز، بأن يتشدّد في ذلك، وأن يقفلهما إليه ومَن شركهما في قتله من وجوه النّاس. ثمّ مات سليمان، فسرّح عبيد الله بن يزيد والي إفريقيّة على الأندلس الحرَّ بن عبد الله الثَّقفي، وأمره بالنظر في شأن قتل عبد العزيز" (١) مما يفهم صراحة أنّ الأمر دُبِّر بغير علم الخليفة، وأنّ الخليفة لا علاقة له بقتل عبد العزيز.

ولم يكن من سمات خُلق سليمان بن عبد الملك الإقدام على الاغتيالات أو التحريض عليها، فقد وصف سليمانَ المؤرِّخون بأنّه: "مفتاح الخير، أطلق الأسارى، وخلّى أهل السُّجون، وأحسن إلى الناس، واستخلف عمر بن عبد العزيز" (٢)، فلا يتّهمه بالاغتيال، أو يصدِّق هذا الاتّهام، عاقل غير متحيِّز.

كما أنّ عبد العزيز، لو أراد الاستقلال بالأندلس عن الخلافة، لأعدّ لذلك عدته، التي من أوّلها: إبعاد غير الموثوق بهم من صفوف جنده، واتِّخاذ الحماية الكافية لنفسه، وتقريب مَن يعينه سلى تحقيق ما يصبوا إليه.

ولم يتّخذ عبد العزيز شيئاً من هذه التدابير، ولو اتّخذ شيئاً منها، لما سهل على الطّامعين والمنافسين له اغتياله بسهولة ويُسر.

أمّا اتِّهامه بأنّه ضعيف مترف مُستَخذٍ لزوجه، وأنّه تنصّر، فلا سبيل إلى تصديق ذلك، فقد أقام مع زوجه أيلونا في دار متواضعة قريبة من موضع


(١) أخبار مجموعة (٢٢ - ٢٣).
(٢) الطبري (٥/ ٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>