للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الألوف، ومنها ما كان يملكه مالك واحد أو ملاك قلائل، هذا عدا الأملاك السلطانية والحصون (١). وبذلك نستطيع أن نقدِّر أن غرناطة كانت تضم أيام كانت عاصمة الدولة الإسلامية في الأندلس، أكثر من نصف مليون من الأنفس. أما المرج أو الفحص، فقد كان بسيطاً رائع الخضرة، يشبهونه بغوطة دمشق، وتخترقه الجداول والأنهار، ويغص بالقرى والجنات، ويهرع إليه الرواد في ليالي الربيع والصيف، فيغدو مسرح الأسمار والأنس.

وكانت غرناطة نموذجاً بديعاً للعمارة الإسلامية، تغص بالصروح والأبنية الضخمة، وتتخللها الميادين والطرقات الفسيحة. وكانت مدينة: الحمراء أو دار الملك، أروع ما فيها، تطلّ على أحيائها في سمت من القبلة، تشرف عليه منها الشرفات البيض والأبراج السامية والمعاقل المنيعة، والقصور الرفيعة، تغشى العيون وتبهر العقول - كما يقول ابن الخطيب في كتابه: الإحاطة في أخبار غرناطة.

وقد أشاد بمحاسن غرناطة وفضائلها كتَّاب الأندلس وشعراؤها، قال ابن الخطيب:

بلد تحفّ به الرياض كأنه ... وجه جميل والرياض عذاره

وكأنما واديه معصم غادة ... ومن الجسور المحكمات سواره

أما اليوم، فقد عُدَّت غرناطة مدينة متواضعة، لا يزيد سكانها على مائة وثلاثين ألفاً، وهي عاصمة الولاية الأندلسية المسماة بنفس الاسم. بالرغم من أنها فقدت بهاءها السابق، فإنها ما زالت تتّشح بطابع خاص من التحفظ والنبل المؤثر، وقد اختفت معظم خططها الإسلامية، وقامت على أنقاضها مدينة أوروبية حديثة، بيد أن غرناطة ما زالت مع ذلك تحتفظ ببقية من صروحها ومعالمها الأندلسية، وتجتمع هذه البقية بالأخص في قسمها الشرقي، حيث تربض أبراج (الحمراء) فوق هضبتها العالية. وأعظم آثارها


(١) الإحاطة في أخبار غرناطة (١/ ١٢٢ - ١٢٣) وأنظر تفاصيل المقرى في (١/ ١٣١ - ١٣٨) والهوامش حيث تبين مواقع هذه القرى وأسماؤها الإسبانية حالياً.

<<  <  ج: ص:  >  >>