للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسرعاً تلاحقه قواته من سائر الأنحاء. وبادر أهل قرطبة بالتأهب للدفاع عن مدينتهم، وأرسلوا إلى ابن هود أميرهم الشرعي يطلبون الغوث والإنجاد. وقدر ابن هود خطورة الموقف، واعتزم أن يسير إلى إنجاد الحاضرة المحصورة، ولكنه علم في طريقه أن جيش القشتاليين يفوق في الأهبة والكثرة، ووصله من جهة أخرى صريخ أبي جميل زيان أمير بلنسية لمعاونته ضد خايمي (١) ملك أراغون الذي اشتد في مناوراته وإرهارقه، ولاح له أن السير إلى بلنسية التي كان يطمح إلى امتلاكها أيسر وأجدى، فترك قرطبة لمصيرها مؤملاً أن يثبت أهلها دفاعاً عنها، أو يستطيع إنقاذها فيما بعد. ولبث النصارى على حصار قرطبة بضعة أشهر، ودافع أهل قرطبة عن مدينتهم ودينهم وحرياتهم أعنف دفاع وأروعه، ولكنهم اضطروا في النهاية، وبعد أن أرهقهم الحصار، وفقدوا كل أمل في الغوث والإنقاذ إلى التسليم. ودخل النصارى قرطبة في (٢٣ شوال سنة ٦٣٣ هـ - ٢٩ حزيران - يونيو سنة ١٢٣٦ م)، وفي الحال حوّلوا مسجدها الجامع إلى كنيسة (٢)، وقد كان هذا شعارهم كلما دخلوا قاعدة أندلسية، إيذاناً بظفر النصرانية على الإسلام. وكان لسقوط قرطبة عاصمة الخلافة التالدة، أعظم وقع في الأندلس وفي سائر أصقاع العالم الإسلامي، وكانت ضربة مميتة أخرى صوبتها إسبانيا النصرانية، إلى قلب الأندلس المفككة المنهوكة القوى (٣).


(١) خايمي: Jaime، وهو الاسم الإسباني لإسم يعقوب.
(٢) وما زال جامع قرطبة العظيم قائماً إلى اليوم بأروقته وعقوده وأعمدته الإسلامية كاملاً كما كان أبام المسلمين. بيد أنّه حوِّل إلى كنيسة قرطبة الجامعة، وأقيمت الهياكل في سائر جوانبه تحت عقوده القديمة، وأقيم في وسطه مصلّى على شكل صليب Crucero، وقد أزيلت قبابه ونقوشه الإسلامية، ولم يبق محتفظاً بنقوشه القديمة سوى محاريبه الثلاثة. وما زال هذا الأثر الأندلسي العظيم إلى جانب تسميته بكتدرائية قرطبة يحمل اسمه الإسلامي القديم: المسجد الجامع ( La Mezquita Aljama) ، أنظر الآثار الأندلسية الباقية (٢٠ - ٢٧) - محمد عبد الله عنان.
(٣) أنظر سقوط قرطبة في: ابن خلدون (٤/ ١٦٩ و ١٨٣) ونفح الطيب (٢/ ٥٨٥) حيث =

<<  <  ج: ص:  >  >>