وكان مقتله وهو في السابعة والثلاثين في عنفوان فتوته ومجده، ودفن السلطان الشهيد في مقبرة الحمراء إلى جانب آبائه مبكياً عليه من شعبه بدموع غزيرة. وكان السلطان يوسف أعظم ملوك غرناطة همة وعزماً، وأبدعهم خلالاً، وكان فوق فروسته ونجدته عالماً أديباً، شغوفاً بالعمارة وإقامة الصروح الباذخة، وهو الذي شيد البرج الأعظم بقصر الحمراء، وأنشأ به أفخم أجنحته وأبدعها، وهو الذي أسبغ على هذا الصرح العظيم بمنشآته وزخارفه، بهاءه وروعته التي مازال يحتفظ بلمحة منها. وفي عصره زهت العلوم والآداب، وذاعت شهرة العلماء المسلمين، ولاسيما في الفلك والكيمياء.
وهكذا لبث بلاط غرناطة حقبة يقف من دولة بني مرين مواقف متناقضة، ويتردد بين سياسة التحالف والقطيعة، وبين الثقة والتوجّس، وليس من شك في أن بني مرين كانوا عضداً قيِّماً لمملكة غرناطة الناشئة، وقد أدّوا لها في مقاتلة النصارى خدمات جليلة، وبذلوا في ذلك السبيل تضحيات جمّة، وأعادوا بانتصارهم على النصارى في غير موقعة حاسمة، ذكريات الزلاقة والأرك، ولولا غوث بني مرين، واشتغال مملكة قشتالة بحوادثها الداخلية غير مرة، لما اشتد ساعد بني الأحمر وسطعت دولتهم خلال هذه المدة المليئة بالحوادث الجسام، واستطالت أيام الإسلام بالأندلس زهاء مائة عام أخرى. وقد كان من سوء الطالع ألاّ يدرك بلاط غرناطة خطر الخلاف مع الحليف الطبيعي الذي رتبه القدر فيما وراء البحر، لإنجاد الأندلس عند الخطر الداهم، وأن يجنح من آن لآخر إلى مخاصمة هذا الحليف ومحاربته، كما استولى ابن الأحمر على سبتة. كذلك لم تخل سياسة بني مرين إزاء مملكة غرناطة أحياناً، من الالتواء وبث الشكوك في نفوس أمراء بني نصر،