للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية أخرى، إن أبا عبد الله قد شهد بنفسه تسليم الحمراء، وأنه حينما تقدم القشتاليون من تل الرحى صاعدين نحو الحمراء، تقدم أبو عبد الله من باب الطباق السبع راجلاً، يتبعه خمسون من فرسانه وحشمه، فلما عرف الكاردينال أبا عبد الله، ترجّل عن جواده، وتقدّم إلى لقائه، وحيّاه باحترام وحفاوة، ثم ابتعد الرجلان قليلاً، وتحدّثا برهة على انفراد. ثم قال أبو عبد الله بصوت مسموع (١): "هيا يا سيدي، في هذه الساعة الطيبة، وتسلّم هذه القصور - قصوري - باسم الملكين العظيمين اللذين أراد لهما الله القادر، أن يستوليا عليها، لفضائلهما، وزلاّت المسلمين"، فوجّه الكاردينال إلى أبي عبد الله بعض عبارات المواساة، ودعاه لأن يقيم في خيمته في المعسكر الملكي طيلة الوقت الذي يمكثه في شنتفي، فقبل أبو عبد الله شاكراً.

وتم تسليم القصور الملكية والأبراج على يد الوزير ابن كماشة الذي ندبه أبو عبد الله للقيام بهذه المهمة، وما كاد الكاردينال وصحبه يجوزون إلى داخل القصر الإسلامي المنيف، حتى رفعوا فوق برجه الأعلى، وهو المسمى (برج الحراسة) - ( Torre de la Vela) صليباً فضياً كبيراً، هو الذي كان يحمله الملك فرديناند خلال حرب غرناطة، كما رفعوا إلى جانبه علم قشتالة وعلم القديس ياقب، وأعلن المنادي فوق البرج بصوت جهوري ثلاثاً: أن غرناطة أصبحت ملكاً للملكين الكاثوليكيين، وأطلقت المدافع تدوي في الفضاء. ثم انطلقت فرقة الرهبان الملكية ترتل صلاة: (الحمد لله) Te Deian laudam على أنغام الموسيقى. وهكذا كان كل ما هنالك يؤكد الصفة الصليبية العميقة لهذه الحرب التي شهرتها إسبانيا النصرانية على الأمة الأندلسية، وعلى الإسلام في إسبانيا.

وفي أثناء ذلك، كان أبو عبد الله في طريقه إلى لقاء الملك الكاثوليكي،


(١) المفروض أنَّ أبا عبد الله كان يتحدّث القشتالية، وهي لغة يجيد التكلّم بها. فإذا كان قد تكلّم بالعربية، فمن المفروض أن الكاردينال يحسنها، وكانت العربية شائعة ليس في الأندلس حسب، بل عالمياً.

<<  <  ج: ص:  >  >>