المدجنين في مهاد عزّها القديم، في قشتالة وأراغون، ولم تبق سوى بقية أخيرة تحتشد في مملكة غرناطة الصغيرة، الذي كان مصيرها المحتوم يلوح قوياً في الأفق. وكان تفوّق إسبانيا النصرانية ونصرها المضطرد، يذكي عوامل التعصب الديني الذي تبثه الكنيسة وترعاه، وتتخذه إسبانيا الظافرة يومئذٍ شعارها المفضّل في ميدان السياسة. وكانت موجة من التعصب تضطرم في هذا الوقت بالذات، حول طوائف المتنصرين من يهود ( Conoersos) وكان أولئك المحدثون في النصرانية، قد سما شأنهم، ووصل كثير منهم إلى المناصب الكنسية الكبيرة، وإلى مجلس الملك، وتبوّأوا بأموالهم ونفوذهم مكانة قوية في الدولة والمجتمع، وكان أحبار الكنيسة ينظرون إليهم بعين الرّيب، ويعتبرونهم شرّاً من يهود الخلّص أنفسهم، ويتهمونهم بالإلحاد والزّيغ، ومزاولة شعائرهم القديمة سراً، ولما تفاقم الإتهام من حولهم، صدر في سنة (١٤٦٥ م) في عهد الملك هنري الرابع ملك قشتالة، أمر ملكي إلى الأساقفة بالاستقصاء والبحث في دوائرهم، وتتبع هذا اللّون من المروق والزيغ، ومعاقبة المارقين، وتلا ذلك موجة من الاضطهاد، اتخذت صورة المحاكمات الدينية، وأحرق عدد من أولئك المتنصرين. ولكن قشتالة التي شغلت يومئذٍ بمشاكلها الداخلية، لم تعن بأمر المتنصّرين ولم تزعجهم. وهنا تدخّل البابا سكستوس ( SIXTO) الرابع، وحاول أن يدخل نظام التحقيق في قشتالة، فأرسل إليها مبعوثاً بابوياً مزوّداً بكل السلطات، للتحقيق والقبض على المارقين ومعاقبتهم. ولكن فرديناند وإيزابيلا وقفا في وجه هذه المحاولة حرصاً على سلطانهما، وحدَّا من سلطان الكنيسة، وأغضت إيزابيلا مدى حين عن تحريض الأحبار، على مطاردة الكبراء المنتمين إلى أصل يهودي، إذ كانت تثق بهم وبصادق نياتهم وغيرتهم في خدمة الدولة والعرش.
على أن هذه المقاومة لم تلبث طويلاً، ذلك لأن كل الظروف كانت تمهّد لظفر السياسة الكنسية، فلم تلبث أن غلبت مساعي الأحبار، وقَبِل الملكان