للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بترخيص ملكي نظير رسم فادح. وكانت السياسة الإسبانية تخشى اتصال الموريسكيين بمسلمي المغرب، وكان ديوان التحقيق يسهر دائماً على حركة الهجرة، ويعمل على قمعها بمنتهى الشدّة. ومع ذلك فقد كانت الأنباء تأتي من سفراء إسبانيا في البندقية وغيرها هن الثغور الإيطالية، بأن كثيراً من الموريسكيين الفارين يمرون بها في طريقهم إلى إفريقية والعالم الإسلامي (١).

وخلال هذا الاضطهاد الغامر، كانت السياسة الإسبانية في بعض الأحيان، تجنح إلى شيء من الرِّفق، فنرى الإمبراطور في سنة (١٥٤٣ م) يبلِّغ المحققين العامين، بأنه تحقيقاً لرغبة مطران طليطلة والمحقق العام، قد أصدر عفوه عن المسلمين المتنصرين من أهل (مدينة ولكامبو) و (أريفالو) فيما ارتكبوا من ذنوب الكفر والمروق، وأنه يكتفي بأن يطلب إليهم الاعتراف بذنوبهم أمام الديوان (ديوان التحقيق)، ثم تردّ إليهم أملاكهم الثابتة والمنقولة التي أخذت منهم إلى الأحياء منهم، ويسمح لهم بتزويج أبنائهم وبناتهم من النصارى الخلّص، ولا تصادر المهور التي دفعوها للخزينة بسبب الذنوب التي ارتكبوها، بل تبقى هذه المهور للأولاد الذين يولدون من هذا الزواج، وأن يتمتع بهذا الامتياز النصرانيات الخلّص اللاّتي يتزوجن من الموريسكيين، بالنسبة للأملاك التي يقدِّمها الأزواج الموريسكيون برسم الزواج أو الميراث (٢). وهكذا لبثت السياسة الإسبانية أيام الإمبراطور شارلكان (١٥١٦ م- ١٥٥٥ م) إزاء الموريسكيين، تتردّد بين الإقدام والإحجام، واللّين والشدّة. بيد أنها على العموم كانت أقل عسفاً وأكثر اعتدالاً، منها أيام فرديناند وإيزابيلا، وفي عهده نال الموريسكيون كثيراً من ضروب الإعفاء والتسامح الرفيقة نوعاً ما، ولكنهم لبثوا في جميع الأحوال موضع القطيعة والريب، عرضة للإرهاق والمطاردة، ولبثت محاكم التحقيق تجد فيهم دائماً


(١) Dr Lea: ibid ; P. ١٨٧-١٨٩.
(٢) Arch. gen. de Simancas ; P. R. Leg. ٢٨, Fol. ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>