ب - على أن هذه السياسة المعتدلة نوعاً ما، لم يتح لها الاستمرار في عهد ولده وخلفه فيليب الثاني (١٥٥٥ م - ١٥٩٨ م). وكان التنصير قد عمّ الموريسكيين يومئذٍ، وغاضت منهم كل مظاهر الإسلام والعروبة، ولكن قبساً دفيناً من دين الآباء والأجداد كان لا يزال يجثم في قرارة هذه النفوس الأبية الكليمة، ولم تنجح إسبانيا النصرانية بسياستها البربرية في اكتساب شيء من ولائها المغصوب. وكان الموريسكيون يحتشدون جماعات كبيرة وصغيرة في غرناطة وفي بسائطها، وفي منطقة البشرات الجبلية، تتوسطها الحاميات الإسبانية والكنائس، لتسهر الأولى على حركاتهم، وتسهر الثانية على إيمانهم وضمائرهم، وكانوا يشتغلون بالأخص في الزراعة والتجارة، ولهم صلات تجارية واجتماعية وثيقة بثغور المغرب، وهو ما كانت ترقبه السلطات الإسبانية دائماً بكثير من الحذر والريب. وكانت بقية من التقاليد والمظاهر القديمة، ما زالت تربط هذا الشعب الذي زادته المحن والخطوب اتحاداً، وتعلقاً بتراثه القومي والروحي، وكانت الكنيسة تحيط هذا الشعب العاق، الذي لم تنجح تعاليمها في النفاذ إلى أعماق نفسه، بكثير من البغضاء والحقد. فلما تولى فيليب الثاني ألفت فرصتها في إذكاء عوامل الاضطهاد والتعصّب التي خبت نوعاً ما في عهد أبيه شارل الخامس. وكان هذا الملك المتعصب جداً في قرارة نفسه، يخضع لوحي الأحبار والكنيسة، ويرى في الموريسكيين ما تصوره الكنيسة والسياسة الرجعية، عنصراً بغيضاً خطراً دخيلاً على المجتمع الإسباني فلم تمض أعوام قلائل على تبوئه الملك، حتى ظهرت بوادر التعصب والتحريض ضد الموريسكيين، في طائفة من القوانين والفروض المرهقة. وكانت مسألة السلاح في مقدمة المسائل التي كانت موضع الاهتمام والتشدد. وقد عنيت السياسة الإسبانية منذ البداية بتجريد الموريسكيين من السلاح، واتخذت أيام فرديناند إجراءات لينة نوعاً ما، فكان يسمح بحمل أنواع معينة من السلاح المنزلي كالسكين وغيرها، وذلك