بعض الأنحاء، ولا سيما في رندة، إلى نهب المنفيين، والفتك بالنساء والأطفال. ولما سمع الموريسكيون المعتصمون بالجبال هذه الأنباء، انحدروا إلى السهل وقتلوا كثيراً من الجند المثقلين بالغنائم. وكان مصير المنفيين مؤلماً، إذ هلك منهم من المشاق والمرض، وعانى الذين سلموا منهم مرارة غربة جديدة مؤلمة، ونصّ على وضعهم تحت الرقابة الدائمة، وتسجيلهم وتسجيل مساكنهم في سجلات خاصة، وعين لهم حيث وجدوا مشرفاً خاصاً يتولى شئونهم، وحرّم عليهم أن يغيروا مساكنهم إلا بتصريح ملكي، وحرم عليهم بتاتاً أن يسافروا إلى غرناطة، وفرضت على المخالفين عقوبات شديدة تصل إلى الموت. وهكذا شرِّد الموريسكيون في مملكة غرناطة أفظع تشريد، وانهار بذلك مجتمعهم القومي المتماسك في الوطن القديم (١).
ولم يبق إلاّ أن يسحق مولاي عبد الله وجيشه الصغير، وكان هذا الأمير المنكود يرى قواه وموارده تذوب بسرعة، وقد انهار كل أمل في النصر أو السلم الشريف، بيد أنه لبث مختفياً في أعماق جبال البشرات بين آكام برشول وترفليس مع شرذمة من جنده المخلصين. (وفي مارس - آذار ١٥٧١ م) كشف بعض الأسرى مخبأه السري للإسبان، فأوفدوا رسلهم إلى معسكره في بعض المغاير. وهناك استطاعوا إغراء ضابط مغربي من خاصته يدعى جونثالفو (الشنيش)، وكان الشنيش يحقد عليه لأنه منعه من الفرار إلى المغرب، وأغدق الإسبان له المنح والوعود، وقطعوا له عهداً بالعفو الشامل، وضمان النفس والمال، وأن ترد إليه زوجته وابنته الأسيرتان، إذا استطاع أن يسلمهم مولاي عبد الله حياً أو ميتاً. وكان الإغراء قوياً مثيراً، فدبر الضابط الخائن خطته لاغتيال سيّده، وفي ذات يوم فاجأه مع شرذمة من أصحابه، فقاوم مولاي عبد الله ما استطاع، ولكنه سقط أخيراً مثخناً بجراحه، فألقى الخونة جثته من