في جيش سلطان المغرب، وسكنوا مدينة سلا، وكان منهم من الجهاد في البحر ما هو مشهور الآن (١). ويجب أن نذكر أن مياه البحر المتوسط شرقه وغربه، خلال العصور الوسطى كانت دائماً مسرحاً سهلاً للأساطيل الإسلامية. فمنذ أيام الأغالبة والفاطميين، ومنذ خلافة قرطبة ثم المرابطين والموحدين، كانت الأساطيل الإسلامية تجوس أواسط البحر المتوسط وغربيه، وكانت الدول الإسلامية الأندلسية والمغربية، ترتبط مع الدول النصرانية الواقعة في شمال هذا البحر، مثل البندقية وجنوة وبيزة، بمعاهدات ومبادلات تجارية هامة، وكان التسامح يسود يومئذ علائق المسلمين والنصارى وتغلب المصالح التجارية والمعاملات المنظمة، على النزاعات الدينية والمذهبية. وقد كانت المغامرات البحرية الحرّة وأعمال (القرصنة)، توجد في هذه العصور دائماً، إلى جانب نشاط الأساطيل الرسمية. وكان البحر المتوسط منذ أقدم العصور مسرحاً لهذه المغامرات، وكان معظم خوارج البحر (القراصنة) يومئذ من الأمم التي غزت البحر في عصور متقدمة، مثل اليونان وأهل سردينيا وجنوة ومالطة. وفي أيام الصليبيين ازدهرت المغامرات في البحر الأبيض المتوسط، واستمر النصارى عصوراً زعماء هذه المهنة. ولم تكن ثمة بحريات منظمة تقوم بمطاردة أولئك الخوارج. وكانت المغانم الوفيرة من الاتجار في الرقيق، والبضائع المهرّبة، وافتداء الرقيق، تذكي عزمهم، وتدفع إليهم بسيل من المغامرين من سائر الأمم. ولما ظهرت الأساطيل الكبرى منذ القرن الرابع عشر، ضعف أمر أولئك المغامرين. ولم تكن هذه المياه خلواً من نشاط المغامرين المسلمين، ولكنهم لم يظهروا في هذا الميدان إلاّ منذ القرن الخامس عشر، حينما ضعف أمر الأندلس والدول المغربية وسادَتْها الفوضى، واضطربت العلائق البحرية والتجارية المنظمة بين المغرب والدول النصرانية. وكانت الشواطئ المغربية تقدم إليهم
(١) نفح الطيب (٢/ ٦١٧)، وقد أنجز المقري كتابه سنة ١٦٣٠ م.