المراسي الصالحة. ولما اشتد ساعد البحرية التركية بعد استيلاء الترك على القسطنطينية، زاد نشاط المغامرين المسلمين في البحر. وكان سقوط غرناطة واضطهاد الأسبان النصارى للمسلمين، إيذاناً بتطور هذه المغامرات البحرية، ونزول الأندلسيين والموريسكيين المنفيين إلى ميدانها، واتخاذها مدى حين، صورة الجهاد والانتقام القومي والديني، لما نزل بالأمة الأندلسية الشهيدة من ضروب العسف والإرهاق (١).
وقد بدأت هذه الغارات البحرية على السواحل الإسبانية، عقب استيلاء الإسبان على غرناطة، وإكراههم للمسلمين على التنصير. في ذلك الحين غادر الأندلس آلاف من الأندلسيين المجاهدين، أنفوا العيش في الوطن القديم، في مهاد الذلَّة والاضطهاد، تحت نير الإسبان، وعبروا البحر إلى عدوة المغرب، وقلوبهم تفيض حقداً ويأساً، واستقروا في بعض القواعد الساحلية، مثل وهران والجزائر وبجاية، ووهب الكثيرون منهم حياتهم للجهاد في سبيل الله والانتقام من أولئك الذين قضوا على وطنهم، وظلموا أمتهم، وانتهكوا حرمة دينهم. وكان البحر يهيء لهم هذه الفرصة التي لم تهيؤها لهم الحرب البرية، وكانت شواطئ المغرب بطبيعتها الوعرة، وثغورها ومراسيها وخلجانها الكثيرة، التي تحميها وتحجبها الصخور العالية، أصلح ملاذ لمشاريع أولئك التجار المجاهدين والقراصنة المغيرين. وكانت الجزائر وبجاية وتونس أفضل قواعدهم للرسو والإقلاع، وكانت هذه الغارات البحرية تعتمد بالأخص على عنصر المباغتة، وتنجح في معظم الأحيان في تحقيق غاياتها.
ويصف بيترو مارتيري هذه الغارات بإسهاب ويقول: إن فرديناند الخامس أمر في سنة (١٥٠٧ م) للتحوط ضد هذه الغارات، بإخلاء الساحل الجنوبي من جبل طارق إلى ألمرية لمدى فرسخين إلى الداخل. ثم صدرت مراسم
(١) Lane-Poole: The Barbary Corsairs ; P. ٢٦ and ٢٧.