للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متعددة تحظر على الموريسكيين السفر على أبعاد معينة من الشواطئ، ولكن هذا التحوط لم يغن شيئاً، واستمرت الغارات على حالها. وكان اللّوم يلقى في ذلك منذ البداية على الموريسكيين ولاسيما أهل بلنسية. وكان الموريسكيون كلما اشتدّ عليهم وطأة الاضطهاد والمطاردة، اتجهوا إلى إخوانهم في المغرب يستصرخونهم للتدخل والانتقام. وكان المجاهدون المغاربة يغيرون بسفنهم على الشواطئ الإسبانية، ويخطفون النصارى الإسبان، ويجعلونهم رقيقاً يباع في أسواق المغرب، وكان الموريسكيون يزودون الحملات المغيرة بالمعلومات الوثيقة، عن أحوال الشواطئ ومواضع الضعف فيها، ويمدّونها بالأقوات والمؤن. وكانت الحملات تجهز في أحيان كثيرة لنقل الموريسكيين الراغبين في الهجرة، وقد استطاعت خلال القرن السادس عشر، أن تنقل منهم إلى الشواطئ الإفريقية جماعات كثيرة.

وقد ظهر منذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي في الميدان عنصر جديد، أذكى موجة الغارات البحرية في هذه البحار. ذلك أن البحارة الترك، وعلى رأسهم الأخوان الشهيران عروج وخير الدين (١)، اندفعوا من شرقي البحر المتوسط إلى غربيه، في طلب المغامرة والكسب. وفي سنة (١٥١٧ م) سار عروج في قوة برية وبعض السفن إلى الجزائر واستولى عليها. ولما قتل في العام التالي في معركة نشبت بينه وبين الإسبان، استولى أخوه خير الدين على الجزائر، ثم استولى على معظم الثغور المغربية الساحلية، وعينه السلطان سليم حاكماً على هذه الأنحاء، وأمدّه بالسفن والجند. وتألق نجم خير الدين في ذلك الحين، وأصبح اسمه يقرن بذكر أعظم أمراء البحر في ذلك العصر، وكان من معاونيه نخبة من أمهر الربابنة الترك، مثل طرغود الذي


(١) ويعرف كلاهما في الرواية الأوروبية: "بربروسا" أو ذو اللحية الحمراء، وقد انتهى إلينا عن مغامرات هذين الأخوين الشهيرين وغاراتهما البحرية كتاب بالعربية، منقول عن أصل تركي، نشر في الجزائر سنة (١٩٣٤) بعنوان: "غزوات عروج وخير الدين". والظاهر أنّه من تأليف راوية معاصر، أو قريب من العصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>