وكان سلطان خير الدين وزملائه البحارة الترك في المياه المغربية، عاملاً في تحطيم كثير من مشاريع إسبانيا البحرية في المغرب. وكان الإسبان قد استولوا على ثغر وهران منذ سنة (١٥٠٥ م)، واحتلوا مياه تونس سنة (١٥٣٥ م)، بانضواء أميرها الحفصي المعزول تحت لوائهم، وكان كثير من أمراء الثغور والقواعد المغربية الذين يهدد الترك سلطانهم يتجهون بأبصارهم إلى الإسبان للاحتفاط برياستهم. ولدينا صور من عدة وثائق موجهة من هؤلاء الأمراء إلى الإمبراطور شارلكان، يستنصرون به، ويقطعون العهد على أنفسهم بطاعته، والانضواء تحت حمايته، وهي تدلي بموضوعها وأسلوبها بما انتهت إليه الجبهة الإسلامية في المغرب في هذا العهد من التخاذل والتفرق المؤلم.
وفي سنة (١٥٥٩ م) قام أمير البحر التركي طرغود، الذي خلف خير الدين في الرياسة، بغارة كبيرة على الشواطئ الإسبانية، واستطاع أن يحمل معه ألفي وخمسمائة موريسكي، في سنة (١٥٧٠ م) استطاعت السفن المغيرة أن تحمل معها جميع الموريسكيين في بالميرا، وفي سنة (١٥٨٤ م) سار أسطول من الجزائر إلى بلنسية وحمل ألفين وثلاثمائة موريسكي وفي العام التالي، استطاعت السفن المغيرة أن تحمل جميع سكان مدينة كالوسا. وبلغت
(١) راجع كتاب الأستاذ لاين بول The Barbary Corsairs في الفصول الأول والثاني والثالث، حيث يورد كثيراً من التفاصيل المهمة، عن هذه الغارات البحرية، وعن مغامرات أوروج وخير الدين، وراجع كتاب "غزوات عروج وخير الدين في ص (١٩ و ٤٨ و ٨١ و ٨٢). وخير الدين وأخوه مجاهدان لا غبار على جهادهما، بذلا جهدهما في الدفاع عن المستضعفين من المسلمين الأندلسيين، وانتقما ممن ظلم أولئك المستضعفين، وأنقذا عشرات الألوف من المسلمين الأندلسيين المضطهدين من براثن الإسبان النصارى، فهما مجاهدان بالنسبة لنا، وقراصنة بالنسبة للمستشرقين وغير المسلمين، ولا عبرة باتهامهما من أعداء الإسلام بالقرصنة، ولكنّ على المسلمين ألاّ ينقلوا اتهام النصارى وأعداء المسلمين ويصدقونها.