وقد قام بعدة غارات جريئة على شواطئ إسبانيا الجنوبية، وكان في كل مرة يعود مثقلاً بالغنائم والسّبي. وهكذا لبثت الغارات البحرية عصراً من الزمان، تزعج الحكومة الإسبانية، وقد زاد عددها واشتد عيثها، بالأخص منذ منتصف القرن السادس عشر، وكان هذا غريباً في الواقع، إذ كانت إسبانيا سيدة البحار، وكانت أساطيلها الضخمة تجوب مياه الأطلنطي حتى بحر الشمال وجزائر الهند الغربية، وتسيطر على مياه البحر الأبيض المتوسط الغربية، بيد أنها لم تستطع أن تقمع هذه الغارات البحرية الصغيرة المفاجئة، التي كان يقوم بها على الأغلب جماعات مجاهدة، من رجال البحر المغاربة، في سفن صغيرة، تدفعهم روح من المغامرة والاستبسال، وكان اللوم في ذلك يلقى دائماً على الموريسكيين، ولاسيما سكان الثغور منهم، فهم الذين يمدّون هذه الحملات المغيرة بالمعلومات، ويزودونها بالمؤن والعون، ويعينون لها مواقع الرسو والإقلاع، وقد كانت تأتي على الأغلب لمعاونتهم على الفرار إلى ثغور المغرب، وقد كان الموريسكيون بالرغم من اضطهادهم والتشدد في مراقبتهم، على اتصال دائم بمسلمي إفريقية وأمراء المغرب جميعاً.
لبثت هذه الغارات البحرية عصراً شغلاً شاغلاً للحكومة الإسبانية لا تجد سبيلاً إلى قمعها والتخلص من آثارها. وكان اقترانها خلال القرن السادس عشر بنضال الموريسكيين، عنصراً بارزاً في تنظيمها وتوجهها، وكانت فكرة الانتقام للأمة الشهيدة، تجثم في معظم الأحيان وراء هذه الغارات المجاهدة. ولما تمَّ نفي الموريسكيين من إسبانيا، زادت هذه الفكرة وضوحاً، واشتدت وطأة الغارات بما انتظم في صفوف المجاهدين من المنفيين، وغدت مدينة سلا بالأخص، مركزاً لأولئك المبعدين، ومنها توجه أقوى الحملات المغيرة على الشواطئ الإسبانية (١).