ولبث البحارة الترك عصراً، يتزعمون هذه الغارات بالبحرية، وجلّ اعتمادهم على النواتية المغامرين من المغاربة والموريسكيين، ثم أخذت هذه الغارات تفقد هدفها القديم بمرور الزمن، وتنقلب إلى حملات ناهبة، تنظم على الشواطئ الإيطالية، كما تنظم على الشواطئ الإسبانية، وترمي قبل كل شيء إلى تغذية أسواق المغرب والشرق الأدنى، بأسراب الرقيق. وكان يشترك مع البحارة الترك والمغاربة، مغامرون من الأفرنج من سائر الأمم. وألفى الباشوات أو الدايات الترك - الذين بسطوا حكمهم منذ أواخر القرن السادس عشر على طرابلس الغرب والجزائر - في هذه الحملات الناهبة، فرصة سانحة للغنم، فكانوا يمدون الرؤساء والزعماء بصنوف العون، عند الإنزال والإقلاع في ثغورهم، وكان الرؤساء من جانبهم، يقدمون إلى خزينة الباشا أو الداي عشر الغنائم. واسترق بهذه الطريقة عشرات الألوف من النصارى، واستمرت بعد ذلك هذه الغارات زمناً طويلاً (١).
وحدثت في تلك الآونة - التي اشتدت فيها الغارات البحرية على الشواطئ الإسبانية، في أوائل عهد فيليب الثالث في عدوة المغرب - أحداث أخرى، زادت في توجس السياسة الإسبانية من مساعي الموريسكيين في استعداء مسلمي إفريقية. ذلك أن الحرب الأهلية نشبت في مراكش، بين السلطان زيدان بن المنصور، وأخيه الشيخ المأمون، وتعددت المعارك بينهما، وانتهت بهزيمة الشيخ. وفر الشيخ مع أسرته وأمه الخيزران إلى إسبانيا، واستغاث بملكها فيليب الثالث، وتعهد بتقديم ثغر العرائش إلى إسبانيا نظير
(١) استمرت تلك الغارات في البحر المتوسط طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وكانت بعض الدول الأوروبية تعمل على تشجيعها لمضايقة بعضها الآخر، والإضرار بتجارتها. ومنذ القرن السابع عشر تعمل إنكلترا وهولندة وفرنسة على مقاومة هذه الحملات البحرية الجريئة والقضاء عليها، وذلك بمهاجمة الشواطئ المغربية وتدمير ثغورها، ولا سيما تونس والجزائر. على أنها لم تنقطع نهائياً إلاّ بعد أن غزت فرنسا الجزائر واستولت عليها في سنة ١٨٣٠ م.